د. سليمان الخضاري / الضريبة... الاقتصاد الريعي... أزمة وطن!
1 يناير 1970
06:56 ص
لا نزال نعاني في الكويت من سلسلة من الأزمات السياسية ذات الأبعاد المتعددة، وهي الأزمات التي أدت وتؤدي لحالة من الركود أو الانحدار بلحاظ معايير التنمية السياسية والاقتصادية المتنوعة، وهذه الأزمات وإن كانت متعددة الوجوه والتفاصيل الا أنها تعبر في جوهرها عن أزمة أعمق، والتي تتمحور حول اشكالية الهوية وطبيعة التفاعلات بين التوجهات والشرائح المختلفة في المجتمع الكويتي، وانعكاس هذه التفاعلات على الوجهة التي تسير نحوها الدولة بجميع أجهزتها وقطاعاتها المختلفة.
هذه المقدمة لا غنى عنها ونحن نتابع ما ترشح لنا من توجهات جديدة للدولة تختلف عن السياسات الماضية، التي أسهمت في تعزيز أنماط محددة للاستهلاك مدفوعة بتراكم عائدات النفط، وضعف الميول الابداعية لدى صناع القرار في ما يخص الاستثمار في الكوادر الوطنية والمشاريع الاستراتيجية، ما كان يفترض أن ينتج اقتصادا وطنيا تساهم شرائح المجتمع على اختلافها في تنميته، ويتمحور حول دفع المقومات الانتاجية مع الحفاظ على متطلبات الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
هذه التوجهات الجديدة تصطدم بما دأبت عليه السلطة من تعامل مع السيولة المالية المتراكمة ومنذ بزوغ عهد الاستقلال والسيادة المباشرة بعقلية توزيع الثروة من دون ربطها بمعايير محددة للانتاج بين المواطنين، فكانت عملية التثمين والدعم المادي لجملة من المواد الاستهلاكية وغيرها، وخلق الوظائف الهامشية التي لا ترتبط بأي هيكلية فعالة في أجهزة الدولة المختلفة مما كان له أكبر الأثر في خلق أزمة ترهل تعاني منها جميع القطاعات على المستويين الاداري والتنظيمي، بل إن البعثات الدراسية والفرص التعليمية التي فتحت لها الدولة الباب على مصراعيه لم تكن بمنأى عن سياسة توزيع الثروة إذ لم يتم ربط كل ذلك باستراتيجية محددة تضمن عوائد الاستثمار في التعليم، من خلال توفير فرص العمل في المجالات المبتعث لها أو توفير المرونة الكافية في اللوائح والتنظيمات التي تكفل خلق أجواء تدفع للمساهمة في التطوير من قبل الخريجين، ناهيك عن دراسة متطلبات سوق العمل واستيعاب، كل ذلك في أي خطة تنموية تضعها الدولة أو أجهزة التخطيط فيها، وقد أدى جميع ذلك لشيوع ثقافة الاستهلاك بين شرائح المجتمع، والتي تتمظهر في أمور عدة منها ضعف عملية الادخار الشخصي، ومطالبة المواطن البسيط للدولة للتكفل بكثير مما لا تتدخل الدول فيه عادة، من زيادة المبالغ المخصصة لدعم المواد، مع ضمان مجانية التعليم في جميع مراحله، مرورا بالمطالبات بتكفل الدولة بسداد فاتورة القروض الشخصية للمواطنين وغيرها كفواتير الكهرباء المتأخرة قبل سنوات.
لا يجب إغفال أن التطور السياسي في السياق الكويتي كان غير ذات صلة مفاهيمية أو بنيوية بالتطور الذي حصل في الدول ذات الديموقراطيات العريقة، أو حتى ببعض الدول العربية، إذ ان المطالبات بالاصلاح السياسي والنظام الدستوري من قبل النخبة التجارية أو طلائع الحركة الشبابية المثقفة منذ الثلاثينات وحتى صدور الدستور في الكويت تركزت على مبادئ المشاركة السياسية ونبذ الاستبداد، من دون نقاش حقيقي حول مفهوم المواطنة الصالحة أو دور المواطن المباشر في تمويل خزينة الدولة عن طريق الضريبة بما يؤهله ليكون شريكا في الحكم وجديرا بمساءلة من بيده السلطة، ومع مرور السنين أصبح مجرد الحديث عن ضريبة أو ما أشبه حديثا غير شعبوي، مع انسياق السياسيين وراء المزاج الشعبي الاستهلاكي، لكن العامل الأهم وراء عدم الدفع بهذه التوجهات كان عدم جدية السلطة التنفيذية في تنويع مصادر الدخل في ظل الوفرة المالية الناتجة عن النفط.
الا أن الأزمة تبدو الآن أشد عمقا إن أضفنا لها ضعف ثقة المواطن في الجهاز التنفيذي للدولة، سببه ارتفاع مدركات الفساد حسب مؤشرات متعددة، وضعف الخدمات، بالاضافة لشعور عميق بغياب النظرة الشمولية لدى صانع القرار والاغراق في المعالجة الروتينية للشؤون اليومية أو تلك قصيرة المدى، لذا فإن أي حديث عن اصلاح للمنظومة المعوجة للاقتصاد الكويتي، بما يشمل ما رشح عن توجه لفرض الضرائب، لا يمكن الا أن يكون ضربا جديدا من ضروب التخبط لدى الادارة التنفيذية للدولة إن لم تسبقه معالجة شاملة لمواطن الخلل في القطاع المحاسبي والاداري في الدولة على وجه الخصوص، ما ينتج عنه آثار يتلمسها المواطن البسيط تجاه ما يراه من تجاوزات مالية أو إدارية، ويسترجع بها ما فقده من ثقة في أجهزة الدولة بحيث يشعر أنه يعي إلى أي جهة يسير وطنه، وأن ما سيستقطع من أمواله سيتم تقديمه له في شكل خدمات ذات مستوى مرتفع، لا أن تكون المسألة أشبه بالمثل المعروف «خذ من كيسه وعايده»!
د. سليمان الخضاري
كاتب وأستاذ جامعي