الإسلام والفن فنون
التصوير عند المسلمين / (مقامات الحريري 1 من 3)
1 يناير 1970
01:07 ص
| القاهرة - من عبدالغني عبدالله |
مقامات الحريري أحد أهم المخطوطات في الأدب العربي والتصوير الإسلامي وهي على حسب قول نقاد الفنون تلتقي في الأدب العربي مع روائع أخرى عند القمة. ويحتوي الكتاب** على 50 مقامة إن دلت على شيء إنما تدل على سعة اطلاع مؤلفها وزيادة الفهم لديه عن الطبيعة الإنسانية.
الحريري هو أبوالقاسم بن علي بن عثمان الحريري البصري. وقد اختلفت الروايات التاريخية في تحديد الشخصية التي قدم إليها مقاماته - ومن المعروف أن بعض المؤرخين قد ذهبوا إلى أن هذه المقامات قد صنفت لوزير المسترشد بالله (الخليفة العباسي) وهو الوزير المعروف باسم جمال الدين عميد الدولة الحسن بن علي بن صدقة المتوفى عام 522هـ. في حين أن البعض الآخر قد صنف هذا الكتاب بأمر وزير المسترشد، شرف الدين أبوشروان محمد بن خالد بن محمد القاشاني المتوفى عام 532هـ... إلا أن ابن خلكان يرجح رواية الوزير جمال الدين عميد الدولة الحسن بن علي بن صدقة... هذا ونجد نبذة من ترجمة الحريري مقتبسة من تاريخ ابن خلكان مثبتة في مستهل كتاب المقامات.
أما ياقوت الحموي في معجم الأدباء قال إن كتاب المقامات وافق سعدا لم يوافقه كتاب مثله... والحقيقة أن مقامات الحريري كان له أثر كبير لا يمكن نسيانه أو الالتفات عنه. وفي الحقيقة أنه (الكتاب) كان مدرسة تعلم فيها الشباب الأدب والكتابة وأساليب البيان.
المقامات مكرمة لكفاح البطل «أبوزيد السروجي» حيث عاش بروح مثابرة مكدة تتخطى العقبات ولا تتردد أو ترجع عن هدفها ولا تعرف الكلل ولا تيأس... وهي مرآة لشخص مكافح وطموح.
ولد الحريري عام 444هـ (= 1054م) وشب في مدينة البصرة. وعُرف بذكائه وفطنته وفصاحته وبلاغته... وقد اتصل بالخلفاء في مدينة بغداد وبالوزراء. وعاش مقربا من البلاط العباسي حتى وافاه الأجل 515 هـ (= 1120/ 1121م).
حرص الأمراء والملوك والحكام العرب والمسلمون على حيازة هذه المقامات دفع إلى ذيوع صيتها. هذا إلى جانب أن الأغنياء والمترفين والمثقفين والأدباء والكتاب حتى الطبقات الشعبية تدافعوا جميعا وتزاحموا رغبة في امتلاكها... واهتم الكثيرون بتلك التصاوير التي جاءت في مقامات الحريري وهو أمر استهوى الفنان العربي المسلم، فهذه المقامات تعكس العلاقات الإنسانية بين الرجل والمرأة.
تعلم الحريري على يد علماء البصرة وأصبح وقتذاك من ألمع العلماء في اللغة العربية، وفي هذه المقامات اعتنى الحريري بالراوي الذي سماه الحارث بن همام وأعجب أهل الأندلس بهذه المقامات بعد أن استمعوا إليها فنشروها في بلادهم بعد أن طوروها ليخرجوها من جمود قوالب المشرق العربي وغدت المقامة قصصية الطابع مغرقة في الشعبية. ونلاحظ أن اليهود في الأندلس قد شغفوا بفن المقامات حتى أن أحدهم (سليمان بن حقبال القرطبي) ألف مقامات عبرية على غرار مقامات البصرة. (ثروت عكاشة)
يهمنا هنا تصاوير هذه المقامات ومن العسير علينا أن نكشف عن المنابع التي دفعت المصورين العرب إلى الاهتمام بتصوير الكائنات الحية، ولكن ريتشارد أتبخهاوزن (فن التصوير عند العرب) - عن الدكتور ثروت عكاشة (فن الواسطي) كشف عن ان ذلك يعود في جوهره إلى استقرار الحكم لمدة في أيدي عدد قليل نسبيا من الحكام الأقوياء الذين عاونوا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على هذا الازدهار.
تحتفظ مكتبات العالم بنسخ عدة مزوقة من مقامات الحريري. وتنسب تصاوير خمس من هذه المقامات إلى المدرسة التصويرية العربية وهذه النسخ هي:
أ - نسخة المتحف البريطاني والتي أورخ لها 654هـ وهي تعود إلى مدينة بغداد.
ب - نسخة دار الكتب الوطنية في باريس ويؤرخ لها عام 619هـ (= 1222م). وهي منسوبة إلى مدينة دمشق.
ج - نسخة الواسطي 634/ 1236م. وهي منسوبة إلى مدينة بغداد (في دار الكتب الوطنية في باريس) أيضاً.
د - نسخة مكتبة معهد الأكاديمية العلوم الشرقية في ليننجراد - ويقال لها حريري ليننجراد وهي غير مؤرخة وتنسب إلى مدينة القاهرة.
هـ - نسخة مكتبة جامع السليمانية في اسطنبول وهي أيضاً غير مؤرخة ولكن اسم الخليفة العباس المستعصم بالله قد ثبت في منمنمة من منمنماتها ويؤرخ لها بين 1240، 1258م. ونسبت إلى مدينة بغداد.
وكل هذه النسخ تتصف بكثرة منمنماتها - وهي متشابهة من حيث الصيغ الفنية والأسلوب وبعض العناصر الفنية. وجميع منمنمات هذه النسخ هي جزء مما يطلق عليه اسم المدرسة العربية في التصوير الإسلامي والنسخة التي زوقها الواسطي تعرف باسم «شيفر الحريري» نسبة إلى المالك الأول لها «شيفر» الذي أهداها إلى دار الكتب الوطنية في باريس وهي نسخة كاملة ومجلدة بجلدها الأصلي وورقها جيد 167 ورقة. والصفحة تضم 15 سطراً ولون المواد أسود يميل إلى الحمرة والخط نسخ جميل متقن ومنقط ومشكل (معجم). والناسخ قد ذكر اسمه وتاريخ انجاز النسخة على آخر صفحة منها - وقد أورد لنا الدكتور عيسى سلمان نص ذلك:
السطر 1: فرغ من نسخها العبد الفقير إلى رحمة ربه وغفرانه.
السطر 2: وعضوه يحيى بن محمود بن يحيى بن أبي الحسن.
السطر 3: كوريها الواسطي بخطه وصورة آخر نهار.
السطر 4: يوم السبت سادس شهر رمضان سنة.
السطر 5: أربع وثلاثين وستمئة حامدا
السطر 6: الله تعالى... إلخ.
وهي النسخة الوحيدة التي ثبت الناسخ اسمه وقال أيضاً انه المصور وذكر التاريخ ولكن لم يشر إلى اسم المدينة التي كان يعمل فيها ولم يذكر اسم الشخص الذي زوق.
وعلى هذا يمكن لنا ذكر أسماء هذه النسخ كالآتي:
1 - حريري باريس: المكتبة الوطنية باريس وواضح في صورة هذه النسخة ذلك الطابع البيزنطي في توزيع شخوص الموضوع وطيات الملابس وعناصر العمارة. وظهر بها ايضا الإنشاء التصويري الذي يطبع فن الكتاب البيزنطي الديني حيث تشاهد السيد المسيح وأمامه مريدوه (6094).
2 - حريري الواسطي: المكتبة الوطنية في باريس وهي النسخة التي سبق الاشارة أن شفر قد أهداها للمكتبة Schefer وقد سميت النسخة باسمه - وسبق الحديث عنها في الأسطر السابقة (5847) ويلاحظ أن وجوه الشخصيات جاءت سامية القسمات (السامي) وأكثر حدة في تعبيرها والعيون بشكلها الجانبي آشورية الشكل ورسم الماء بخطوط متعرجة أو منكسرة على شكل كتل متوازية متتالية تتخللها أسماك تسير في اتجاه واحد (وذلك يذكرنا بالنمط الآشوري في نحوته البارزة).
3 - حريري ليننجراد: المتحف الآسيوي ليننجراد (23. S).
4 - حريري باريس: المكتبة الوطنية بباريس 77 صورة حالتها غير جيدة وتطرق اليها التلف. (3929) وقد تناول رسمها أكثر من رسام وقد فقد منه أوراق عدة وصور المخطوط به أسلوب رسم الحرف الإيراني في مدينة الري وقد استخدم فيها ألوان الأزرق والأحمر والأصفر والأخضر والبنفسجي بشكل غير مدروس.