شبهات وردود / قوافل قريش

1 يناير 1970 05:23 م
لقد حاول المستشرقون ومن تبعهم إيهام الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لجأ الى السطو على قوافل قريش التي كانت محملة بأثمن البضائع؛ رغبة منه في التوسع المالي، وتكديس الثروات، متناسين ما وصف به النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون معه من زهد وتقشف طيلة حياتهم. يقول أحدهم واصفا جيوش المؤمنين في العهد المدني قبل غزوة بدر: «... وبدأت هذه السرايا باعتراض قوافل قريش والسطو عليها، وأخذ ما أمكن من الغنائم منها».



الرد على الشبهة

وللاجابة عن هذه الشبهة ينبغي لنا أن نعلم تداعيات الأحداث وسرد تسلسلها التاريخي كي نفهم المناخ الذي ألجأ المسلمين الى التعرض لتلك القوافل، ولأجل أن يتضح للقارئ الكريم كيف تقلب الحقائق وتسمى بغير اسمها.

أولا: ان الوضع الذي عاش فيه المسلمون في العهد المكي كان شديدا؛ فقد ضيق عليهم من قبل صناديد قريش وكبرائها، فقاموا بتعذيبهم والتنكيل بهم، ومارسوا معهم كل أساليب الاضطهاد الديني والتعذيب الوحشي، حتى فقدوا بعضهم، وأكلوا أوراق الشجر، وعاشوا حياة مليئة بالمصاعب والآلام، فما كان للمسلمين بد أن يتخلوا عن أوطانهم وديارهم، فرارا بدينهم، وطلبا لمكان يعبدون فيه ربهم دون أن يتعرض لهم أحد، وصدق الله اذ يقول في كتابه: { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا أن يقولوا ربنا الله } [الحج: 40].

ثانيا: حتى اذا تم استقرار المسلمين في المدينة واستتب لهم الأمر، أذن الله تعالى لهم بالقتال لمن ظلمهم وبغى عليهم؛ قال الله تعالى: { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير } [الحج: 39]، فأعلنت الحرب على قريش ورجالاتها منذ تلك اللحظة، ومعلوم أن الحروب تأخذ أشكالا عديدة، يأتي في مقدمها ما يسمى بلغة عصرنا: «الحرب الاقتصادية»، فلهذا كان المسلمون يتعرضون لقوافل قريش، ويقطعون طريقها.

ثالثا: ولم تكن تلك الضربات هي المعتمد الاقتصادي لدى المسلمين؛ فقد حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على انشاء سوق منافسة لسوق اليهود في المدينة، وسرعان ما ازدهرت تلك الحركة التجارية لتصبح موردا قويا لتلك الدولة الناشئة.

رابعا: ثم لو كان المقصود من هذه الغارات الطمع في التوسع المادي المجرد من القيم الأخلاقية، لما روى لنا التاريخ في صدره الأول أمثلة راقية لذلك الجيل، تبين لنا ما وصلوا اليه من زهد في الدنيا، وتقلل من متاعها، ولما وجدت في تعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذما لها أو تحذيرا من الافتتان ببهرجها وزخارفها.



خلاصة الأمر

أن التعرض لقوافل قريش كان مرحلة من مراحل الصراع بين قوة الاسلام الناشئة وطغيان مشركي قريش، هذا الصراع الذي بدأته قريش بطردها المسلمين، واستيلائها على ممتلكاتهم في مكة.