معرفة الخطأ من الصواب ميسّرة لأغلب الناس؛ ولكن، قليل هم من يشعر بالمسؤولية تجاه الخطأ والصواب وعلى النحو المناسب؛ لأن عادةً هذا الشعور لا يتولد إلا لدى المتمسكين بمبادئهم وقناعاتهم وقيمهم لهذا هم دائماً قليلون؛ وكثير من الناس من يبحث عن السعادة وبشغف؛ وأكثر الناس حظاً في نيلها هم الذين يلتزمون في سلوكهم باتباع الطريق القويم؛ أولئك الذين يضحون من أجل المحافظة على قيمهم والتمسك بمبادئهم.
فنحن في شهر عظيم شهر ميزّه الله من فوق سبع سماوات؛ شهر خصه الله بالليالي العشر والعتق من النيران؛ شهر نادر بأيامه ولياليه وندرته تكمن بليلة خير من ألف شهر؛ إلا أن كثيرا من المسلمين ينجرفون مع التيار ولا يحذرون من طريق الملذات والشهوات المملوء دائماً بالمارة؛ أما طريق الكرام طريق الحق فقليل من يسلكه.
وإن للمرء أصدقاء كثرا وأعز أصدقاء المرء ذكاؤه وكرامته؛ ومثلما له أصدقاء كذلك لديه أعداء ومن ألد أعدائه شهواته ومطامعه؛ وما نراه اليوم في شهر مثل رمضان من أحداث في سورية لهي أحداث ملوثة للتاريخ العربي الإسلامي؛ وكثير من الأذكياء قد تحولوا إلى بلهاء عندما استهانوا بكرامتهم وخضعوا لمطامعهم.
وما يجري اليوم في هذا البلد المسلم العربي لا يصدقه عاقل؛ ولا يؤمن به لبيب؛ نحن في حاجة لوقفة جادة مع أنفسنا؛ وفي حاجة إلى التفكير بعقلية الوفرة بأن لدينا من القيم والأخلاق والآداب المستمدة من الدين ؛ما لم تجده أمم أخرى ؛وهذه القيم والمبادئ كفيلة بحد ذاتها أن تمنع وتأنف المسلم من فعل الفحش بأخيه المسلم؛ كيف بمسلم يشرد ويقتل ويسلب وينهب أناسا من جلدته وأرضه ووطنه، كيف له أن يتجرد من إنسانيته ويفتك بشعب من أجل منصب أو كرسي أو رئاسة أو حكم، ألم تنهك أنسانيتك عن الاستسلام لرغباتك ومطامعك؟
أي مصالح هذه الذي قيدتك وأصبحت أسيرا لها وعدت لا تدرك الصواب من الخطأ؛ وأفقدتك شعورك بالمسؤولية تجاه أناس عزّل ليست لهم مطالب إلا الحرية؛ سئموا من العيش على هامش الحياة؛ مكبلين بالحسرة والألم من نظام جاحد قاس كابد معاند؛ يرفض التغيير والارتقاء والنهوض بشعب تدهور حاله من سوء التدبير والإعداد والتخطيط لمستقبل وطن ينهار أمام أعينهم.
فنحن اليوم نوجه رسالة لجميع الأنظمة المسلمة؛ ونطق هذه الرسالة كلمات نطلقها من باب المسؤولية (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)؛ فهذه المسؤولية تحتم علينا أن نكتب ونشجب ونقول: عليكم بحماية شعوبكم من الظلم والاضطهاد والجور؛ والاعتدال والتوازن والمساواة والعدل بين كل فرد وآخر؛ بل وعليكم محاربة انتشار الفساد والغلو والتعنف في تمجيد وتبجيل الأنظمة من أجل مصالح شخصية منحرفة ؛يشوبها الشح والسوء الذي يؤدي إلى ظلم العباد؛ عن طريق الوحشية والقسوة والقتل؛ وهزيمة وضعف لأمة بأكملها إن لم نتدارك أنفسنا ونمنعها من الإجحاف بالآخرين؛ وسوف يتبدد الأمان النفسي بارتكاب الجرائم بأنواعها ضد الشعوب المسالمة؛ ليس لها مطلب إلا الإشراف والصعود إلى المعالي بنظام حكم ديموقراطي عادل ثماره التطوير والتنمية المشروعة لكل فرد يحتضنه وطن عاش وتربى على أرضه.
فليكن للأنظمة تميز في هذا الشهر الرفيع؛ بالقضاء على أعدائهم التي بين أضلعهم ألا وهي الشهوات والمطامع؛ وإن لم يتخلصوا منها فسوف تؤدي بهم إلى الهاوية ويكونون وصمة عار على جبين تاريخ الأمة الإسلامية؛ حتى وإن كانوا فقط مسلمين بالهوية؛ حان وقت الاستيقاظ وبزوغ فجر جديد بتمييز الخطأ من الصواب وتصحيح الأخطاء في الصفحات المقابلة للتاريخ؛ ليس عيباً أن نخطئ ولكن العيب كل العيب أن نكرر الخطأ وبمنهاج وأسلوب أشخاص نفسه شتمهم التاريخ من عهود سحيقة.
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib