يعمل النفط المملوك من قبل الدولة على الدوام على زرع بذور فنائه بنفسه. إن معظم الناس لا يدركون بأن ما نسبته 90 في المئة تقريباً من احتياطيات النفط السائل في العالم تتم إدارتها من قبل حكومات أو من قبل شركات مملوكة من قبل الدولة. فشركة «إيكزون موبيل»، وهي أضخم شركة نفطية في العالم مملوكة للقطاع الخاص تمتلك فقط نسبة 1.08 في المئة من احتياطيات النفط العالمي، والشركات النفطية الخمس الأضخم في العالم المملوكة للقطاع الخاص تمتلك معا نسبة 4 في المئة فقط من الاحتياطيات النفطية في العالم.
هناك نفط سائل موجود في الأرض يكفي للاستمرار بحيث يمتد لأجيال قادمة، وعند إدخال الرمال الزيتية والصخر الزيتي، فسوف يكون النفط كافياً للاستمرار على مدى قرون. فلو كانت هناك سوق حرة حقيقية في مجال النفط، مع وجود الاحتياطي والإنتاج المملوكين والمُدارَين من قبل العديد من الشركات التنافسية، فإن سعر النفط سوف يشكل جزءاً من السعر السائد هذه الأيام.
إن السعر المرتفع للنفط هو نتيجة مباشرة نجمت عن قيود ومعوقات العرض المصطنعة التي تم فرضها من قبل دول عدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدم كفاءة وسوء إدارة في معظم الشركات النفطية التي تتم إدارتها من قبل الدولة.
معظم هذه الدول، وكذلك منتجون رئيسيون آخرون للنفط، يعتمدون بشكل رئيسي على شركات مملوكة للدولة مثل روسيا التي قامت بالتقليل من الاستثمار في مجال استكشاف وتطوير منشآت إنتاج جديدة للنفط، كما أنها أساءت إدارة المنشآت الموجودة لديها.
ورغم وجود سادس اضخم احتياطيات نفطية في فنزويلا على مستوى العالم، فقد هبط إنتاجها نظراً إلى سوء الإدارة التي تتم من قبل حكومة الرئيس شافيز. كما أن المكسيك أيضاً تعاني من هبوط في إنتاجها النفطي لأن الحكومة ترفض السماح للشركات الخاصة بالاستكشاف عن النفط وإنتاجه، ولأن شركة «بيمكس» النفطية المملوكة للدولة هي شركة غير كفوءة وغير مؤهلة. بمضي عقد أو عقدين من الأعوام اعتباراً من الآن سوف يكون واقع الدول النفطية الاشتراكية في أسف بالغ بسبب سوء تصرفها الحالي.
عندما ترتفع أسعار أي سلعة فإن الناس سيقومون بالبحث عن مصادر مغايرة وعن بدائل لتلك السلعة التي ارتفع سعرها. فعندما ارتفعت أسعار النفط إلى ما فوق 30 دولاراً أو 40 دولارا أميركياً للبرميل الواحد فقد أصبح استخراج النفط من الرمال الزيتية في كندا والصخر الزيتي في كولورادو اقتصادياً بشكل مفاجئ. وهذان الاحتياطيان هما الأضخم من تلك الاحتياطيات النفطية السائلة المعلومة.
تكمن المشكلة على المدى القصير في أن تطوير الرمال الزيتية والصخر الزيتي يستلزم القيام باستثمارات متقدمة هائلة، وإلى قليل من الأعوام قبل أن يحل إنتاجها محل معظم احتياجات أميركا الشمالية من النفط المستورد من خارج القارة.
لقد أعلنت شركة «شل اويل» النفطية عن أن التكنولوجيا الجديدة لاستخراج النفط («تكنولوجيا الموقع») في كولورادو قد تكون تنافسية بأسعار تزيد على 30 دولاراً أميركياً للبرميل. ومع ذلك، فإن الوصول إلى إنتاج على نطاق واسع سوف يستغرق أعواماً غير قليلة.
ورغم الافتتان الجاري حالياً بالوقود الحيوي فإنه من غير المرتقب أن ينتج في أي وقت مقادير تزيد على حصة قليلة من سوق النفط، نظراً إلى أنها ليست تنافسية السعر مع النفط السائل ومع الزيت الرملي والزيت الصخري، عندما يتم الأخذ بالاعتبار جميع التكاليف الملازمة له، مثل أسعار المواد الغذائية العالية.
وفي الوقت الحالي، فإن السيارة الجديدة التي قمتم بشرائها منذ عقد من الأعوام من الآن سيتم في الغالب وبكل تأكيد تشغيلها كهربائياً بالكامل. وهناك خطوات ضخمة تم تحقيقها في مجال تكنولوجيا البطاريات. فقد توصلت شركة «ميتسوبيشي» أخيراً إلى اختراع سيارة تدار بالكهرباء بالكامل، وهي السيارة الرياضية «مييف». وهناك شركتا «نيسان» و«رينو» كانتا قد أعلنتا عن أنهما ستنتجان سيارات كهربائية على نطاق واسع بحلول عام 2012.
وبما أن الناس سوف يتحولون إلى السيارات الكهربائية، فإن الحاجة إلى البنزين والنفط المستورد سوف تختفي بشكل سريع. ومن الواجب أن يتم التوسع في مجال المنشآت النووية والفحم النظيف بغرض إنتاج المزيد من الكهرباء، إلا أن إنتاجها من الطاقة سيكون جزءاً على حساب تكلفة البترول. كما أن تكنولوجيا البطاريات الجديدة سوف تعمل على مد يد المساعدة، كي تصبح الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية، نظراً إلى أنها ستكون قادرة على تخزين تلك الطاقة. وحتى وإن تم ذلك فإن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ستشكلان فقط جزءاً صغيراً من الطاقة التي سنحتاجها مستقبلاً، وذلك بسبب القيود والتحديدات التي تلازم إنتاجهما.
وباختصار، العالم بحاجة إلى مواد الوقود السائل (النفط)، وبشكل رئيسي للمواصلات، ولكن عندما تتم الغلبة للكهرباء في معظم سوق الطاقة، فإن أميركا وأوروبا والصين واليابان سوف يكتشفون أن بإمكانهم إنتاج كل الكهرباء التي هم بحاجة إليها من مصادر نووية، ومن الفحم، ومن ماء السدود، ومن الكتل الحيوية والحرارة الأرضية والشمس والرياح. كما أن أميركا الشمالية ستكون أيضاً مستقلة عن النفط الأجنبي بسبب التطويرات التي تتم على الرمال الزيتية وعلى الصخر الزيتي.
ريتشارد دبليو. ران
خبير اقتصادي في معهد كيتو في واشنطن العاصمة، ومدير
مؤسسات اقتصادية عديدة بما في ذلك «المركز الأوروبي للنمو الاقتصادي» في النمسا، وهذا المقال برعاية «مصباح الحرية»
www.misbahalhurriyya.org