المسلمون حول العالم
إسبانيا... «الأندلس المفقود» والتاريخ الإسلامي العظيم
1 يناير 1970
04:36 م
عندما كان الاسلام يحكم اسبانيا تحت اسمها الاسلامي (الأندلس) كان معظم السكان مسلمين وكان كلما استعمر النصارى القادمون من الشمال أراضي اسلامية جديدة هاجر كثير من المسلمين عنها** وأتى النصارى بمستعمرين من المقاطعات النصرانية الشمالية. وبقيت تحت الحكم النصراني مجموعات اسلامية كبيرة كانت تعرف تحت اسم «المدجنين» وكان هؤلاء هم أصحاب الخبرة في البلاد، غير أنهم كانوا يعاملون معاملة العبيد. ولما وقعت مدينة غرناطة، آخر المدن الاسلامية، تحت قبضة النصارى عام 1492 م عقد هؤلاء معاهدة مع المسلمين يلتزمون فيها باحترام دينهم ومعتقداتهم. ولكن عندما استتب لهم الأمر نقضوا العهد و أجبروا المسلمين على التنصر. ولكن الاسلام في اسبانيا لم ينقرض بضياع غرناطة، فلقد حافظ المسلمون على دينهم سرا جيلا بعد جيل وقاموا في كل هذه الأثناء بتعليم أطفالهم الدين الاسلامي. وكان كلما اكتشف أحد منهم حكمت عليه محاكم التفتيش بالاحراق حيا. وهؤلاء المسلمون في السر، والنصارى في العلانية واسماء سماهم الاسبان «الموريسكوس». ولقد ألفوا كتبا باللغة الاسبانية والحروف العربية، وهي اللغة التي تسمى بالعجمية، في سيرة الرسول، - صلى الله عليه وسلم -، وتفسير القرآن وتعاليم الاسلام، وما زالت تلك الكتب موجودة في المكتبات الاسبانية. وحاول هؤلاء المسلمون الهجرة بدينهم الى المغرب العربي كلما سنحت لهم الفرصة، فكان يصل منهم سيل متواصل الى الشواطئ المغربية. وفي عام 1568 م، ثار المسلمون في جبال البشرات، جنوب غرناطة، تحت زعامة البطل المسلم «فرناندو دي بالور» الذي غير اسمه الى محمد بن أمية.
ودامت الثورة ثلاث سنوات استبسل فيها المسلمون. لكنهم هزموا بعد ذلك، واستشهد الكثير منهم بمن فيهم زعيمهم محمد بن أمية رحمه الله، وهرب الكثير منهم الى المغرب.
... وقد ذكر الأمير شكيب أرسلان في كتابه « الحلل السندسية « (الجزء الأول)، قصة بعض الموريسكيين، وكيف كانوا يكونون جمعيات سرية تعلم بعضها البعض الاسلام. كما جاء الباحث المصري محمد عبد الله عنان بقصة موريسكي آخر اسمه الشهاب الحجري الذي فر بدينه سنه 1597 م من ضواحي غرناطة، وذهب الى مرسى شنتمرية بالبرتغال، وتنكر كاسباني من اشبيلية، وركب بارجة برتغالية الى مدينة الجديدة التي كانت تحت الاحتلال البرتغالي، ومنها هرب هو وجماعة معه الى مدينة آزمور المغربية.
وبقي الاسلام حيا في الأندلس بعد فشل ثورة جبال البشرات وتابع الاسبان مطاردتهم للمسلمين وحرقتهم أحياء كلما كشفوا أنهم على دين أجدادهم، ولم ينطفئ أمل هؤلاء الأندلسيين في استرجاع بلادهم، فأخدوا يستنجدون بالعثمانيين، لكن لم تأت أي نجدة. وكان آخر هجوم لقوة بحرية اسلامية على الشواطئ الاسبانية تحت قيادة خير الدين بربروسة، وال الجزائر، سنة 1535 م.
ولما يئس من تنصير المسلمين، أمر طاغيتهم سنة 1609 م بطرد جميع الموريسكيين عن اسبانيا، بعد أن صادر كل أموالهم وأخذ كل أبنائهم الذين تقل أعمارهم عن الخمس سنوات. فخرج من اسبانيا حوالي ربع مليون مسلم الى الشواطئ المغربية والعثمانية، حينئد غيروا أسماءهم النصرانية الى أسماء اسلامية وجهروا باسلامهم في أرض الاسلام.
ولكن الاسلام لم يمت في اسبانيا هذه الهجرة، بل بقي دفينا في قلوب الكثيرين جيلا ببعد جيل. ففي سنة 1769 م، ضبطت محاكم التفتيش مسجدا سريا في مدينة قرطاجنة أنشأه المسلمون المنتصرون ظاهرا.
التعليم الإسلامي في اسبانيا:
مع بداية عام 2005، بدأت الحكومة الأسبانية تدريس الدين الاسلامي بعدد من المدارس في المدن الأسبانية الكبرى، في اطار «قانون الاصلاح التربوي» الذي سنته الحكومة الاشتراكية الجديدة في 2004
ورغم أن المنهج الجديد لا يتعدى التعريف بالاسلام وأركانه، الا أن اليمين الأسباني انتهز الفرصة لشن حملات على الاسلام والمسلمين أفلحت في فرض عدد من الشروط على تدريس الاسلام بالمدارس.
ويأتي تدريس الاسلام بأسبانيا، وفقا لاتفاق عقدته الحكومة الاشتراكية السابقة في بداية التسعينات مع عدد من الهيئات الاسلامية في أسبانيا، الا أن تطبيق هذا الاتفاق تأخر لعدة سنوات قبل أن يصل الحزب الشعبي اليميني الى السلطة في ابريل 1996 ويتم تجميده لثماني سنوات أخرى، ثم تم احياؤه بعودة الاشتراكيين للسلطة في ابريل 2004
الاتفاق
ويقضي الاتفاق باعتماد تدريس الدين الاسلامي في المدارس الأسبانية بالمدن التي تشهد وجودا مكثفا للأقلية المسلمة، ومن أهمها برشلونة (شمال شرق أسبانيا)، وهي أكبر مدن البلاد، والعاصمة مدريد، ومدينة ليبانتي وسط شرق البلاد، اضافة الى اقليم الأندلس كله الذي يعرف وجودا كبيرا للمهاجرين المسلمين أغلبهم مغاربة.
وكانت المديرة العامة للشؤون الدينية في الحكومة الأسبانية «ميرسيدس ريكو جودوي» أعلنت أواخر 2004 أن عددا من المدن الأسبانية الكبرى مثل مدريد، وبرشلونة، ستعتمد تدريس الاسلام بداية من الشهر الأول للسنة الميلادية الجديدة.
وكان تدريس الدين الاسلامي غائبا عن أسبانيا باستثناء مدينتي سبتة ومليلية (بشمال المغرب وتحتلهما أسبانيا) حيث توجد نسبة كبيرة من الأسبان من أصل مغربي، وبدأ تدريس الاسلام بهما في عام 2000.
ورغم أن عدد مدرسي هذه المادة الذين وصل عددهم الى 7 فقط لم يكن يناسب عدد التلاميذ الذين ناهزوا وقتها ألفا و900 تلميذ بالمدارس الابتدائية الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والثانية عشرة، الا أن البادرة كانت بمثابة نموذج شجع على نقلها لبقية أسبانيا.
وقامت مسؤولة الشؤون الدينية بالحكومة الأسبانية أخيراً بزيارة لعدد من مدارس «مليلية» صرحت خلالها بأن تجربة هذه المدينة كانت حافزا نحو توسيع التجربة لتشمل مدنا أسبانية أخرى.
المنهج الجديد
المنهج التعليمي حول الاسلام الذي تم اعتماده لن يتعدى في البداية دروسا بسيطة للتعريف بالاسلام وأركانه العامة، باعتبار أن الدروس ستلقى على جميع التلاميذ وليس المسلمين فحسب.
ولم يثر مضمون ذلك المنهج جدلا يذكر بين الحكومة الاشتراكية وهيئة اتحاد المنظمات الاسلامية في أسبانيا، حيث اتفق الطرفان على أن يكون التعريف بالاسلام ومبادئه الأساسية هو محور هذا المنهج. كما أن المنظمات الاسلامية في أسبانيا تركز جهودها في البداية على محو الأفكار السيئة المسبقة التي توجد لدى عدد كبير من الأسبان حول الاسلام.
وطالب رياض تتري السكرتير العام لاتحاد المنظمات الاسلامية في أسبانيا بأن يمتد تعليم الاسلام الى بقية مناطق أسبانيا في ظل الانتشار الكبير للمهاجرين المسلمين في مختلف مناطق البلاد.
ومن المنتظر أن يلعب المغرب دورا في تدريس الاسلام بالمدارس الأسبانية، حيث يتوقع أن تشرف وزارة التعليم المغربية على اعداد دروس خاصة مثلما هو معمول به في مدينتي سبتة ومليلية.
ويتوقع أن تتزايد أعداد المسلمين في العقود القادمة باعتناق الاسلام أهل البلد وبهجرة المسلمين، وبهذا سنرى حقبة جديدة من الوجود الاسلامي في أرض الأندلس العتيقة بعد طول الحصار.