بعد سبات عميق غطى الوسط الإسلامي بعدم تقدير لذواتهم وتطوير إمكاناته، نشهد اليوم صحوة كبرى في وعي الفرد المسلم بذاته وإمكاناته؛ حيث استطاع الفرد المسلم أن يرسخ بداخله قناعات يقدر ما منحه الله من قدرات عظيمة وفرص هائلة بأن يستثمرها ليُغير مسار حياته؛ على عكس الماضي فكان الفرد المسلم يشعر باليأس وانسداد الآفاق وينتظر أن تمطر عليه السماء بالتغيير والتطوير والمفاجآت السارة التي تغير حياته رأسا على عقب.
وكل ما هنالك نحن نحتاج إلى أن نحسن سرائرنا ونشحذ عزائمنا ونتخلص مما علق بعقولنا ونفوسنا من شوائب ضارة؛ وحتى نتمكن من استغلال شهر الكنوز علينا التمسك بمبادئنا التي هي تولد شعورنا بالمسؤولية تجاه معرفة الخطأ من الصواب وما يجب فعله وما علينا تركه في شهر رفيع مثل رمضان.
إن شهر رمضان أشبه بشجرة عملاقة محملة بثمار الألماس؛ وحتى نتمكن من جمع تلك الثمار والتلذذ بمذاقها لابد من أن تبقى نفوسنا حية بالإيمان ونعتني بها عناية فائقة دائمة لتستطيع قطف الثمار؛ وهذا لن يتم إلا من خلال الإكثار من ذكر الله تعالى ومناجاته والوقوف عند حدوده في كل يوم وليلة من السنة فما بالك بشهر الرحمة والمغفرة.
فعلى المسلم أن يحذر أشد الحذر من الانجراف مع تيار الملهيات؛ فهذا هو طريق الملذات والشهوات مملوء بالمشتهيات من فنون واقتصاد واجتماع؛ فلا نستسلم لشهواتنا ومطامعها ونصبح في نهاية المطاف من المردودين المحرومين الخاسرين. ليست مهمة درجة السرعة التي تسير بها إلى الله؛ المهم أن تسير بالطريق القويم الموصل للعتق من النيران والفوز بالجنان.
من حكمة الله بعباده دائماً الطاعات موصولة بنوع من أنواع النفع؛ والمعاصي موصولة بشكل من أشكال الضرر ؛لذا فلابد من وضع مسافة تفصل بين ما نعتقده وما نفعله حتى يتجلى لنا المعنى الحقيقي للإيمان بأن الدنيا مزرعة للآخرة من خلال الالتزام بأحكام الشريعة الغراء وآدابها، فنحن مطالبون بالكفاح الدائم وبشكل يومي من أجل الاستمرار على الطريق الصحيح والتخلص من المعركة الدائرة في جعبة كل مسلم بين الخير والشر والصواب والخطأ.
شهر رمضان الفرصة الذهبية للمسلمين حتى نفيق من غفلتنا ونومنا العميق وندرك أن ما شُرع الصيام في شهر رمضان إلا ليكون لنا وقاية وعلاجاً لبقية الشهور من أمراض الشهوات والشبهات ؛هو المقياس والمعيار لبقية الشهور بعدم هدر الأوقات؛ ومقاومة المغريات وعدم الاستسلام للمشتهيات؛ ونقف وقفة المسلم الصامد في وجه شهوات النفوس ووسوسات الشياطين.
لابد أن ندرك أن شهر رمضان يحمل في طياته الكثير من العطايا والمنح؛ وله ارتباط وثيق بكل خُلق وأدب وسلوك يصدر من الفرد المسلم؛ لذا فلابد أن نعي وندرك أننا متى ما تخلف سلوكنا عن قيمنا ومبادئنا التي نؤمن بها حتما سنتخلف في جميع مناحي الحياة.
فعلينا عقد العزم من هذه اللحظة بالالتزام بالمنهج الرباني الأقوم في السراء والضراء؛ في رمضان وغير رمضان؛ وهو ما يشكل نقطة الانطلاق في مسيرتنا الكبرى للوصول إلى أسمى وأرقى الأهداف؛ وهو جنات عرضها السماوات والأرض؛ فلنكن أذكياء ولا نشرد عن طريق الله حتى لا نتحول من أناس أنانيين جبناء أمام حفنة من الجُهّال الذين لا يقدرون رمضان حق قدره بتضييع الأوقات بالمحرمات ؛والإفراط بالمباحات ؛والانشغال عن رب العزة؛ في شهر الخيرات؛ لا تتنازل واجتهد لرفع قيمة أسهمك عند الله إلى أن تصيب الليلة التي هي خير من ألف شهر وتفوز بعقد الألماس الذي على قمة الشهور ألا وهو شهر الكنوز الربانية.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
[email protected]twitter: @mona_alwohaib