نافذة الكتابة / كيف يفهم الغرب الدين؟
1 يناير 1970
08:39 ص
| خولة القزويني |
فُطِرَ الإنسان على التدين سواء كان مسلماً أو نصرانياً أو حتى يهودياً، لأنه نفحة من روح الله وهذه الروح الملكوتية تكل وتضطرب عندما ينضب معينها الحيوي المتمثل **في العبادة والتهجد والدعاء، فكل البشر يمارسون شعائر وطقوس روحانية بمقتضى هذه الفطرة لأن الانعتاق عن الجسد والارتقاء إلى السماء في اتجاه الكمال مبعثا لاستقرار النفس القلقة وطمأنة للقلب المضطرب، فالروح لا تسمو الا بالانقطاع إلى الله وفي معزل عن ضجيج الحياة وشهوات الدنيا الفانية، وقد أقرّ الطب الحديث أن الدين علاج لكثير من الأمراض النفسية والجسدية، فالدكتور كارل كنج أحد أطباء الأمراض النفسية يعترف «أثناء الثلاثين عاماً الماضية استشارني عدد كبير من المرضى من جميع أنحاء العالم، واكتشفت أن كل واحد منهم أصابه المرض لأنه فقد الشيء الذي توفره كل الأديان في كل زمان لمتبعيها، فالإيمان هو القوة التي تدعم حياة الإنسان وغياب الدين يعني الانهيار والدمار الشامل».
والدكتور الكسيس كاريل- الذي ألف كتاب «الإنسان ذلك المجهول» ونال جائزة نوبل في الطب- يقول أيضاً: «إن الصلاة هي أقوى صور الطاقة التي يمكن أن ينتجها الإنسان، وهي قوة حقيقية كالجاذبية الأرضية وكطبيب رأيت أناساً بعد فشل كل أنواع العلاج ساعدتهم الطاقة الروحية للصلاة في التغلب على المرض والحزن، فالصلاة كالراديوم، هي مصدر للطاقة فعندما نصلي نصبح على صلة بالقوة الخالدة التي تحرك الكون».
كذلك التأمل في الكون والارتباط الروحي بالله كان منبع القوة للزعيم الهندي غاندي، الذي طرد الإنكليز عن بلاده.
والدكتور بريل أيضاً وهو أحد رواد علم النفس يصرح: «أن الشخص المتدين بحق لا يصيبه أي اضطراب عصبي».
فالعالم الغربي فطن الآن إلى أهمية الدين كونه مصدر الطاقة الروحية للإنسان، لأنه المطهر الفعال لكل أدران النفس وأوبئتها من قلق وحقد وأنانية وغيرة وحسد، فالإنسان يحيا بقوى الله داخله وهذه القوى تحتاج إلى رياضات روحية ومناجاة ليلية تروّض النفس على كمال الصفات والمثل العليا، فقد فتكت الحياة المادية بروح الإنسان فأردته فريسة للأمراض النفسية ونهبا للفراغ الروحي المدمر، حتى أن مرض الاكتئاب والتوتر سمتان لصيقتان بالانسان المعاصر لأنه حاد عن طريق الاستقامة لهثاً وراء سراب المادة فصرعته الأنانيات والمصالح والأطماع وحسب أن سكرة اللذة الفانية سعادة أبدية لا انقضاء لها، فكم نحن بحاجة إلى شحن أرواحنا الخائرة بالعبادة والتضرع إلى الله سبحانه في ليالي رمضان المباركة وطلب العفو والمغفرة، متى نفهم أن العودة إلى واحة الدين الآمنة مصدر هدوء وسلام لأنفسنا فهو الظلال الوارفة التي نتفيأها هرباً من قيظ المدنية المسعور بالشهوات والرغبات.
فلنفتح قلوبنا إلى الله في شهر رمضان الكريم وننسلخ في لياليه عن اللهو الفاضح والفن الخليع، الذي كرّس جنوده وشياطينه لغواية الناس وفتنتهم عن التعبد والدعاء.
التدين نهج الإنسان السوي مسلماً كان أو غير مسلم، فالعودة إلى الله المهيمن على الأكوان والأقدار تعني انطلاقة إيجابية نحو التغيير، فلننتهز أوقات هذا الشهر الفضيل لنغير أنفسناً ونصفي حساباتنا، ونعمل جرداً سنوياً لأعمالنا ونقيّم ذاتنا بمعايير الله، بمعايير القرآن، بمعايير محمد صلى الله عليه وسلمن نبي البشرية الذي قال: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا وزنوها قبل أن تُوزن».
* أديبة روائية كويتية
www.khawlaalqazwini.com