المسلمون حول العالم

كينيا ... أقلية مسلمة لكن ذات مغزى

1 يناير 1970 12:55 م
جاء الاسلام الى كينيا عن طريق تجار العرب والسواحليين، انه بالرغم من صعوبة تحديد تاريخ بعينه لدخول الاسلام الى كينيا، الا انه اقدم دين (وافد) وصل الى تلك الارض الافريقية، وانه **ياتي من ناحية القدم في الدرجة الثانية بعد الديانة الافريقية، وان وصوله ربما يرجع الى بداية القرن الثامن الميلادي، اي ان ارتباط الاسلام بكينيا يعود الى اكثر من الف ومئتي عام ويرى البعض ان مجيئه كان في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه 12 - 23هـ الموافق 636 - 646 في حين يري آخرون انه كان على عهد الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان 65 - 86 هـ الموافق 684 - 705.

اذا كان هذا هو تاريخ دخول الاسلام الى كينيا على اختلاف الآراء بقي ان نعرف كيف دخل وعبر من داخل المراحل المختلفة لدخول الاسلام الى كينيا.

تنقسم مراحل دخول الاسلام الى كينيا الى اربع مراحل رئيسية وهي:



المرحلة الاولى:

في هذه المرحلة جاء الاسلام عن طريق التجار العرب والسواحليين القادمين من الساحل الشرقي لافريقيا وان اول مستوطنة اسلامية كانت في جزيرة باتي (في ارخبيل لامو ) في حوالي عام700 م /81هـ وان مؤسسيها كانت مجموعة من المسلمين المناوئين لحكم الخلافة الاموية، والفارين الى شرق افريقيا طلبا لملجأ آمن بعيد عن يد السلطة الاموية.

وليست الروايات المحلية فقط هي التي تتحدث عن قدم الاسلام ووصوله الى كينيا في هذا التاريخ المبكر فحسب، بل ان الدلائل والبراهين الاثرية التي ظهرت من بعض الحفريات الاثرية في بعض جهات كينيا قد اكدت ذلك ايضا حيث اكدت آخر تلك الحفريات واحدثها التي قام بها الدكتور مارك هورتون Dr. Mark Harton عالم الآثار الاكسفوردي في شانغا في جزيرة باتي ان ظهور الاسلام على الساحل الكيني كان في القرن الثامن الميلادي، وان التجار قاموا بدور اساسي في ظهوره وفي حمله الى الداخل، اضف الى ذلك ان حفريات اخرى اجريت في جزيرة ماندا اثبتت وجود مدينة اسلامية كينية في تلك الجزيرة خلال القرن العاشر الميلادي- القرن الرابع الهجري، وكشفت عن نوع من المباني وطريقة في البناء لم تكن معروفة في اي مكان في افريقيا جنوب الصحراء، كما اشارت الكميات الكبيرة من الخزف الاسلامي التي اكتشفت الى صلات مباشرة بين تلك المنطقة ومناطق اخرى من العالم الاسلامي([5] ).

تلك هي المرحلة الاولى لدخول الاسلام الى كينيا والآثار التي خلفتها تلك المرحلة. 



المرحلة الثانية:


أما هذه المرحلة جاءت مع وصول العمانيين الذين دخلوا ميدان الجهاد ضد البرتغال سنة 1952 بعد ان جثم الاستعمار البرتغالي على صدر المسلمين في هذه المنطقة نحو قرنين كان ظهور البرتغال بداية صراع دموي عنيف، ولم يكن البرتغاليون يريدون الاستقرار السلمي انما كانت اغراضهم صليبية واضحة هي القضاء على الاسلام والحصول على اكبر قدر ممكن من ذهب سفالة ويكفي ان يقال انه لم تنج مدينة من المدن المزدهرة من عبث الطغاة البرتغاليين، وقد احرقت مدينة ممباسا خمس مرات ووضعوا السيف في رقاب الناس، دمروا مساجد لامو وباتا وقتلوا الشيوخ وفرضوا الغرامات الباهظة، وفي الوقت نفسه كانت هناك مجموعة من اكلة البشر اغاروا على ممباسا وهاجموا الناس واكلوهم في الطرقات وفر الناس من اكلة البشر والقوا انفسهم في البحر ليعتصموا بالسفن الراسية، لكن البرتغاليين حصدوهم بالرصاص.

في هذا الظرف ارسل صاحب ممباسا يستصرخ العثمانيين بارسال حامية تركية، ولكن العثمانيين لم يقدموا على المغامرة فلم يرسلوا الحامية الموعودة.

هنا ظهر في ميدان الجهاد الاسلامي شعب فتي آخر حيث دخل العمانيون ميدان الجهاد في الجنوب سنة 1652 واستطاعت هذه القوة العمانية الفتية ان تهزم البرتغاليين في زنجبار وفي سنة 1660 استولى الاسطول العماني على ممباسا... وبعد اختفاء الخطر البرتغالي بدء الاسلام يتوغل توغلا حقيقيا الى الداخل وبدأ الدعاة ينشرون الاسلام. وتعمق المسلمون في توغلهم الداخلي فنفذوا الى هضبة البحيرات، ودخلوا اوغندا حيث دخلها تجار زنجبار سنة 1825 ودخل الاسلام كينيا وتنجانيقا([6])

وهذه هي المرحلة الثانية لدخول الاسلام الى كينيا يرى كثير من الباحثين في الفترة العمانية هذه بداية لتغلغل الاسلام الى المناطق الداخلية لشرق افريقيا ومنها كينيا.



المرحلة الثالثة:

ولهذه المرحلة عامل قلما يذكره الباحثون والدارسون من دخول الاسلام التدريجي الى كينيا الا وهو عامل التحرك القبلي، خصوصا بعض القبائل الصومالية المسلمة من مواطنها في القرن الافريقي الى منطقة الداخل والذي بدأ منذ القرن السادس الهجري الثاني عشر الميلادي... وهكذا لم يكن دخول الاسلام الى كينيا وقفا على نشاط التجار العرب والسواحليين الآتين من الساحل، وانما ايضا على زحف القبائل الصومالية المسلمة الزاحفة من الشرق عبر المناطق شبه صحراوية طلبا للماء ولمنابت العشب، وحاملة معها اسلاما تقليديا بسيطا خاليا من التعقيدات والتفصيلات، والخلافات العقدية والمذهبية ([7]).



المرحلة الرابعة:

في هذه المرحلة ساعد بناء خط كينيا اوغندا الحديدي انتشار الاسلام الى داخل الاراضي الكينية، كما ادى الى ظهور العنصر الآسيوي المسلم، لقد قامت هذه الجالية الآسيوية بدور مهم في تاريخها وتطورها، وهؤلاء استقدمهم البريطانيون لبناء الخط الحديدي بين كينيا واوغندا ومعظمهم كانوا مسلمين من الهنود والباكستانيين، وهذه الجالية كان لها دور كبير في نشر الاسلام في كينيا الى يومنا هذا، ايضا من العوامل التي ساعدت في انتشار الاسلام في هذه الفترة البريطانية هي استخدام الحكومة الاستعمارية مسلمين كموظفين ووكلاء وشرطة وجند ومدرسين ومترجمين وجباه للضرائب وحمالين وخدم المنازل وذلك بفضل معرفتهم بالمناطق الداخلية ومعرفتهم بالكتابة ولكونهم اكثر تحضرا من الاهالي الوثنيين الخام، وقد زاد استخدام الادارة البريطانية للمسلمين من سمعتهم الحسنة، ومكن لبعضهم خصوصا المدرسين من الدعاة الى الاسلام في المناطق الداخلية.

وفي هذه الفترة ايضا كان هناك عامل آخر مهم ساعد في انتشار الاسلام وهو دور الجنود السودانيين وغالبيتهم كانت من النوبيين الذين جلبهم البريطانيون للعمل في صفوف الجيش هناك في كينيا ومعهم جاء المذهب المالكي الى كينيا.

تلك هي تاريخ دخول الاسلام الى كينيا والمراحل المختلفة لدخوله والعناصر المختلفة التي كان لها الدور الاكبر في انتشار الاسلام الى كينيا ([8]).

اليوم ونحن في الالفية الثالثة او القرن الواحد والعشرين حري بنا معرفة نسبة المسلمين في كينيا.



نسبة المسلمين في كينيا اليوم:


فكما تحديد تاريخ معين لدخول الاسلام الى كينيا لم يكن امرا سهلا، كذلك ليس من السهل تحديد نسبة المسلمين في كينيا وعددهم ذلك لاختلاف الآراء وتباين وجهات النظر حوله وسنسرد بعض هذه الآراء مع الاشارة الى الرأي المرجح في ذلك.

المسلمون في كينيا يشكلون اقلية لكنها اقلية ذات مغزى لها وزنها المعتبر لايمكن تجاوزها في المعادلة القائمة، وتتركز هذه الاقلية في مناطق لها اهمية اقتصادية واستراتيجية تمنحهم على الاقل الثقل السياسي خصوصا في مواسم الانتخابات المختلفة. اذا ألقينا الضوء على نسبة المسلمين في كينيا فان هناك احصاءات اجريت منذ ايام الاستعمار تشير الى ان المسلمين في كينيا يشكلون 8 في المئة من السكان، واخرى تقول انهم يشكلون مابين 10 في المئة - 8 في المئة من السكان. رغم ان هذه الاحصاءات قديمة اجريت ابان الاستعمار البريطاني لكينيا وبعضها عشية استقلال كينيا لم تكن تلك الاحصاءات دقيقة وفيها نوع من البخس وهي التي تعتمدها المصادر الكنسية وتجددها لخدمة اغراضهم التنصيرية. أما المسلمون من جانبهم فهم ايضا على اختلاف في تحديد نسبتهم هناك من يرى ان عدد المسلمين في كينيا يصل إلى 8 ملايين نسمة يعني نسبة 30 في المئة من جملة سكان كينيا في ذلك الوقت.