«الراي» واكبت «الغليان» الطائفي في حمص
الريحاوي: محاولة لتوجيه رسالة بأن سقوط النظام سيُشعل حرباً أهلية سارة: الجهات الأمنية تعمل على الوتر السنّي - العلوي
1 يناير 1970
03:37 م
| بيروت - من ريتا فرج |
للمرة الأولى منذ بداية الحراك الشعبي، تدخل سورية في منعطف خطير إثر تدرج حمص، المدينة المتنوعة دينياً، باتجاه مسار معاكس للثورة السلمية. ويأتي الحديث عن «إشعال» المسألة الطائفية، في الوقت الذي تتقاذف السلطة والمعارضة الاتهامات المتبادلة. ورغم ارتفاع نبرة المجتمع الدولي تجاه أعمال العنف الدموية وتحميله نظام الرئيس بشار الاسد مسؤوليّتها، تبدو الدول الكبرى المعنية بالأزمة السورية غير قادرة حتى اللحظة على حسم موقفها.
الأحداث الطائفية الجارية في حمص أدت الى مقتل ما لا يقلّ عن 20 شخصاً بينهم ثلاثة علويين، عثر عليهم يوم السبت الماضي. وبحسب شهود عيان في المدينة تم العثور في اليوم التالي على ست جثث من طوائف مختلفة.
وتُنذر «نار» الطائفية التي اشتعلت في الأيام الأخيرة في حمص بتحوّل دراماتيكي في مسار الحركة الاحتجاجية التي حافظت طوال الأشهر الاربعة السابقة على طابعها السلمي. والأخطر في المشهد الدموي، ما تداولته بعض أوساط المعارضة، عن لجوء النظام الى «حرق ورقته الأخيرة عبر البوابة الطائفية». وقد سبق للأكاديمي السوري برهان غليون أن حذر في مقابلة مع «الراي» من إمكان استعمال النظام للملف الطائفي.
ووفق ما تتداوله الجمعيات الحقوقية، تشهد حمص عمليات خطف وتمثيل بالجثث، وتبادل الهجمات على المحال التجارية. واذ تتحدث الارقام الرسمية عن 11 قتيلاً فيها سقطوا خلال الايام الاربعة الاخيرة، أحصت جمعيات حقوق الانسان نحو 20 قتيلاً بعدما سجلت أسماءهم، في حين ذكرت تقارير غربية نقلاً عن ناشطين ان نحو 50 شخصاً قتلوا في غضون اربعة ايام من المواجهات الدامية. علماً ان «المنظمة الوطنية لحقوق الانسان» في سورية رفضت اعطاء طابع طائفي لأحداث حمص، مشيرة الى أن اطلاق نار من قوات الأمن و«الشبيحة» يندرج في اطار اشاعة مناخ الفتنة بين العلويين والسنّة.
ويُظهر «التقليب» في تاريخ حمص، المدينة الواقعة في وسط سورية بجوار نهر العاصي، انها ثالث أهم المدن السورية ويصل عدد سكانها الى نحو المليون نسمة، ويعود تاريخها الى العام 300 قبل الميلاد، وسميت في العهد الروماني بـ «اميسا» وتلقب بمدينة «بن الوليد»، نسبة الى خالد بن الوليد، الملقب بسيف الله المسلول.
اسم حمص مأخوذ من كلمة «حث» وهو اسم القبيلة التي سكنت المدينة، وأول من أنشأها حمث بن كنعان، فسميت باسمه، وعلى مرور الأيام أبدلت الثاء بالصاد.
وتُعتبر حمص، التي صارت احد معاقل المعارضة على اثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في منتصف مارس، نموذجاً للتنوع الديني. فغالبية سكانها من السنّة اضافة الى طوائف مسيحية وأقلية علوية، في حين ان ريف حمص الممتدد الى قلب الصحراء السورية، يسكنه عدد من كبار العشائر السورية من حيث العدد والنفوذ.
وخلال الثمانينات من القرن الماضي، شهدت حمص مواجهات بين قوات الأمن السورية وحركة الاخوان المسلمين المحظورة، دون أن يصل الاشتباك بين الطرفين الى المستوى الذي وصلت اليه مدينة حماه التي شهدت في 2 فبراير 1982 مجزرة أودت بحياة الآلاف.
حمص اليوم قاب قوسين أو أدنى من «الاعصار» الطائفي. والمدينة المشهورة بروح الدعابة والواقعة على بعد 160 كيلومتراً من دمشق، تتجرع اليوم «كأس السم»، كل ذلك في ظل تبادل الاتهامات حول مسؤولية ايقاظ «نار الفتنة» بين المعارضة والنظام، وذلك بعدما بدأت الشرارة الاولى للطائفية بحادثة قتل العميد عبدو خضر التلاوي وأطفاله.
وفي إطار مواكبة الأحداث الجارية في حمص، سألت «الراي» رمزين من المعارضة السورية هما المعارض فايز سارة ورئيس الرابطة السورية لحقوق الانسان عبد الكريم الريحاوي عن مآل الاوضاع في هذه المدينة وملابسات ما تشهده.
وقد أكد الريحاوي «أن ما يجري في حمص يشكل محاولة مكشوفة لحرف الثورة عن مسارها السلمي»، عازياً اثارة المسألة الطائفية الى «التجييش الإعلامي الذي يمارَس بشكل منظم من بعض الفضائيات العربية التي تحرّض طرفاً ضد الآخر، الى جانب المحطات الاعلامية السورية الخاصة التي لا تقلّ تجييشاً في اثارة الطائفية وتحديداً في مدينة حمص».
وإذ شدد الريحاوي على «ضرورة الخروج من الأزمة السورية عبر الحل السياسي»، رأى «أن سورية بعد أحداث حمص الطائفية دخلت في نفق مظلم، فالتوتر الطائفي في أحياء المدينة ما زال يقلق الأهالي الذين يشكون غياب القوى الأمنية وسيطرة الشبيحة والملثمين على بعض الأحياء».
واذ لفت الى أن عدد الضحايا في أحداث حمص الطائفية وصل الى «20 قتيلاً وقد تعرضت جثث القتلى للتشويه، وبعض الضحايا قُطعت اطرافهم بالسواطير»، اوضح «أن بعض الجهات الداخلية تريد توجيه رسالة من مدينة حمص مفادها أن سورية ستدخل الحرب الأهلية في حال سقوط النظام».
وحول بدايات الأحداث الطائفية في حمص، أشار الى «ان إعدام العميد عبدو خضر التلاوي وأطفاله والتمثيل بجثثهم هو الذي أشعل نار الطائفية، وبحسب ما قاله الأهالي فإن عناصر من الشبيحة الموالين للنظام هم الذين قتلوا التلاوي وأطفاله».
ورداً على ما سبق أن قالته مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان في ما يتعلق بإمكان دخول سورية حرباً طائفية وعمّا إذا كان النظام يتحمل مسؤولية الأحداث الجارية في حمص، قال الريحاوي: «الخطاب الرسمي هو خطاب تحريضي ويحاول تخويف الناس بإثارة الطائفية من جهة وتخويفهم من مشروع الاسلاميين من جهة أخرى، وهو بهذا المعنى يثير مخاوف الأقليات».
وحول طبيعة التركيبة الدينية لأبناء حمص أكد أن «السنّة يصل عددهم الى نحو 50 في المئة من عدد السكان البالغ نحو مليون نسمة، والبقية يتوزعون بين الطائفة العلوية والطوائف المسيحية»، متسائلاً عن «أسباب اثارة الطائفية في حمص خصوصاً أنها مدينة عرفت بالتعايش السلمي بين جميع طوائفها وهي اليوم تتعرض للخطر الطائفي الذي كان متوقعاً في المدن الساحلية».
وكشف ان الرابطة السورية لحقوق الانسان «اتصلت ببعض الاهالي في مدينة حمص بحيث أفاد شهود أن تفاقم الوضع الطائفي يعود الى خطف عناصر ملثمين عدداً من الشبان العلويين وجدوا مقتولين بعد عدة أيام، فجاءت ردة فعل الأهالي في الحي العلوي بالهجوم فوراً على الحي الذي يقطنه السنّة، ووقع اشتباك دموي أدى الى مقتل 11 شخصا وعشرات الجرحى، في حين أن القوى الأمنية لم تحضر الى مكان الحادث إلاّ بعد مرور وقت طويل».
ولفت الريحاوي الى «أن حمص تعاني منذ نهار السبت من توتر طائفي خطير»، محملاً النظام «مسؤولية أي تفاقم للمسألة الطائفية».
من جهته، نفى فايز سارة، أحد أقطاب مجموعة سميراميس، دخول سورية في حرب أهلية بين العلويين والسنة وقال: «الشعب السوري طائفي وهذا ما أكدت عليه الحركة الاحتجاجية التي دخلت شهرها الخامس، وما يحدث في حمص يعكس عجز النظام عن معالجة الأزمة السورية التي لها منحى سياسي وثقافي واقتصادي».
ورأى «أن اثارة الملف الطائفي هي محاولة قديمة من بعض الجهات الأمنية لاستغلال هذا الواقع لاعتبارات مختلفة»، مشدداً على «ضرورة استماع النظام لمطالب الشعب السوري، فالازمة لا تعالَج بالحلول الأمنية والطائفية».
وحول الحديث الذي يتداوله بعض المعنيين بالملف السوري والمتعلق بإثارة الطائفية من النظام للترويج لمعادلة إما بقاء النظام أم الحرب الأهلية، أشار الى «أن الشعب السوري غير طائفي وتاريخه يشهد له بذلك، لكن هناك بعض الجهات الأمنية التي تعمل على الوتر الطائفي بين السنّة والعلويين. وربما يلجأ النظام الى حرق آخر اوراقه بإشاعة الأجواء الطائفية في سورية بغية الخروج من الأزمة التي يتخبط فيها منذ أكثر من أربعين عاماً».
ورأى سارة «أن الأزمة الحقيقية في سورية هي الأزمة الأمنية، والنظام لا يريد تقديم الحلول بل يسعى الى تطويق مطالب الشعب السوري عبر المخارج الطائفية».