في كتاب فن إدارة الموقف، طرح المؤلف محمد بن عبدالله الفريح، مواقف عدة طلب من القراء ذكر القرار الذي سيتخذونه تجاهها، ومنها... أنه لو كانت هناك مجموعتان من الأطفال يلعبون بالقرب من مسارين منفصلين لسكة الحديد، أحدهما معطل وكان طفل واحد يلعب عليه، ومسار يعمل توجد مجموعة من الأطفال يلعبون عليه، وكنت تقف بجوار محول تجاه القطار، وفجأة رأيت قطاراً مقبلاً، وليس أمامك إلا ثوان لتقرر في أي مسار يمكنك أن توجه القطار، فإما أن تتركه يسير كما هو مقرر ويقتل مجموعة من الأطفال، أو تغير اتجاهه إلى المسار الآخر ويقتل طفلا واحداً، فأيهما تختار؟
ثم حلل القرار، بأن معظم الناس سيرى بأن الأفضل التضحية بطفل واحد خير من مجموعة أطفال، وأشار أن هذا قرار عاطفي، حيث عاقبنا الطفل الذي التزم ولعب على المسار المعطل وجعلناه الضحية، بينما الأطفال المستهترون والذين أصروا على اللعب في المسار العامل هم الذين تمت مكافأتهم وانقاذهم.
وبين بعد ذلك أن القرار الصحيح ليس بتغيير مسار القطار لأسباب عدة منها: أن الأطفال الذين كانوا يلعبون في مسار القطار العامل يعرفون ذلك، وسيهربون بمجرد سماع صوت القطار، ولو أننا غيرنا مساره فإن الطفل الذي يلعب على المسار المعطل سوف يموت بالتأكيد لأنه لن يتحرك لاعتقاده أن القطار لن يمر على المسار المعطل.
كما أن من المحتمل أن المسار المعطل لم يترك هكذا، وإنما ربما لكونه غير آمن، وبتغيير مسار القطار إلى هذا الاتجاه فإنه لن يقتل الطفل فقط وإنما سيؤدي إلى تهديد أرواح الركاب، وقد يؤدي إلى قتل مئات من الناس.
أقول لو أردنا أن نعدد القرارات التي تم اتخاذها سواء على مستوى الحكومة أو المجلس، أو على مستوى المؤسسات أو الأفراد، فكم منها تم اتخاذه وكان فيها مكافأة للمهملين ولو كانوا قلة على حساب الملتزمين والمنتظمين مع أنهم الأغلبية؟
خذوا على سبيل المثال، عندما تم إقرار قانون المديونيات الصعبة، والذي كلف الدولة أكثر من 5 مليارات دينار، كان من أجل خاطر عيون قلة من كبار المتنفذين، وتم من خلاله إهدار المال العام.
انظروا إلى مطالبات بعض أعضاء مجلس الأمة والتي يريد من خلالها إسقاط القروض عن أشخاص هم وبإرادة شخصية من أنفسهم وقعوا فيها، مقابل معاقبة من حدد مصروفاته، ومنع نفسه عن بعض احتياجاتها لئلا يتعرض لمثل هذه الديون أو الوقوع بتلك الأزمة.
تأملوا كيف تسعى الدولة لحرمان قطاع كبير من المعلمين المجتهدين من كادرهم، بسبب أن هناك قلة منهم غير منضبطة في عملها.
بل تابعوا قرارات الترقيات، واختيار المناصب القيادية، كيف يتم من خلالها استبعاد الكفاءات، وتولية غير الأكفاء، كما حصل في مؤسسة البترول وبنك التسليف وغيرها.
وأقول حتى على مستوى اجتماعاتنا العملية والرسمية، عندما ندعو لاجتماع في وقت محدد، ثم نؤجل البداية بسبب تأخر بعض الأعضاء والذين تعودوا على التأخر، فنكون بذلك قد كافأنا المهمل وعاقبنا الملتزم والمنتظم.
وبنظرة حتى على المستوى العائلي والأسري، كم من أب سعى لتكريم بعض أبنائه المجتهدين والفائقين من خلال الوعد بمكافأة أو سفرة، ويتم إلغاؤها بسبب بعض المواقف من إخوتهم المزعجين.
إن الواقع يشير إلى أن هناك تخبطا واضحا في اتخاذ القرارات على المستويين السياسي والاقتصادي وما لم يتم تدارك الأمر، فإن العواقب ستكون وخيمة، لذا كان ولا بد من أن ننظر للأمور بعين العقل لا العاطفة، وأن نتطلع للصالح العام لا الخاص، فالكويت أمانة في عنق الجميع وهي ليست ملكا لفئة من دون أخرى.
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
[email protected]Twitter :@abdulaziz2002