الدليل الفقهي
1 يناير 1970
02:17 م
مساحة خصصناها للتواصل مع قراء «الراي» الاعزاء، نقدم لهم من خلالها الاجوبة الشافية على ما يعن لهم من اسئلة حول امور وقضايا تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها. يجيب عن الاسئلة فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرؤوف الكمالي استاذ الفقه في كلية التربية الاساسية**.
وللتواصل ارسلوا بأسئلتكم عبر ايميل الجريدة
www.alraimedia.com
او فاكس رقم (24815921).
حكم العزل
ووسائل منع الحمل
السؤال: ما المقصود بعزل الرجل عن المرأة في الوطء؟ وما حكمه؟ وما حكم أخذ حبوب منع الحمل، وما حكم بعض الوسائل الأخرى لمنع الحمل مثل الغشاء الواقي واللولب الرحمي؟
الجواب: العزل: هو نَزْعُ الرجل قُرب الإنزالِ وإنزالُه خارج الفرج. وقد اختلف العلماء في حكمه، والراجح: أنه جائزٌ؛ وهو القول المشهور عند العلماء، وهو قول أكثرهم. وذكر بعضهم كالشافعية أنه يُكره، ومرادُهم: أنه خلاف الأَوْلى والأفضل؛ لما فيه مِن تقليلِ النسل، وقطع الشهوة. وهذا لا ينافي القول الجواز.
لكن يُشترط عند جمهور العلماء أن تُستأذن الزوجةُ في ذلك؛ لأنَّ لها الحق في الولد واستكمال اللذة، كما أنَّهما حقّان للرجل.
ولا شك أن الإنسان قد يحتاج إلى العزل لعدة أسبابٍ صحيحةٍ مشروعة، ككراهةِ أن تحمل المرأة ولها ولدٌ رضيع، أو أن تكون المرأة مريضةً يضر الحمل بها، أو أن تكون المرأة كثيرةَ الأولاد، فتريد لأن تتريث بالحمل الجديد؛ لتتمكّن مِن تربية أولادها وحضانتهم.
أما لو كان العزل بسبب الخوف من الفقر؛ فهذا اعتقادٌ فاسدٌ غير جائز؛ لأن الله تعالى هو الذي تكفل بأرزاق العباد، كما قال سبحانه: ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها )، وقال تعالى: ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئًا كبيرا ).
ومما يدل على جواز العزل للأسباب الصحيحة التي ذكرنا بعضها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه نهيًا صريحًا، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أقر الصحابة رضي الله عنهم عليه حين سألوه عنه، ففي حديث جابرٍ رضي الله عنه المتفق عليه عند البخاري ومسلم: «كنا نعزل والقرآن ينزل». وفي رواية: «لقد كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم، فلم ينْهنا».
والقول بجواز العزل هو فتوى أكثرِ الصحابة وفعلُهم، كسعد بن أبي وقاص وزيدٍ وأبي أيوب وابن عباسٍ رضي الله عنهم أجمعين.
وأما كونه خلافَ الأَولى؛ فلإشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك؛ ففي حديث أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه: أنهم لمّا غزَوْا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق وَسبُوا النساء، فأرادوا أن يستمتعوا ويَعزلوا، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا [ أي: ما عليكم ضررٌ في ترك العزل ]؛ ما كتب الله خلْق نسمةٍ هي كائنةٌ إلى يوم القيامة إلا ستكون» متفق عليه.
وفي «صحيح مسلمٍ»، عن جابر رضي الله عنه قال: «سأل رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ عندي جاريةً لي، وأنا أعزل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنّ ذلك لن يَمنع شيئًا أراده الله. قال: فجاء الرجل فقال: يا رسول الله! إنّ الجارية التي ذكرتها لك حملت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا عبد الله ورسوله». فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينه الرجل عن العزل، بل أقرَّه عليه، مع بيان حقيقة من الحقائق العقدية، وهي أن كل شيء إنما هو بمشيئة الله سبحانه وتعالى مهما فعلنا من الأسباب.
ونأتي الآن لبيان حكم حبوب منع الحمل التي هي الأكثر استعمالاً ونجاحًا في منع الحمل، فحكمها الجواز بشرط رضا الزوج، وعدمِ الضرر الظاهر بالمرأة، وأن يكون في بعض الأوقات لا على وجه الدوام، إلا إن كان هناك ضررٌ ظاهرٌ بالمرأة من الحمل، كتضاعف أمراض عليها، أو خوفٍ على حياتها، فلا شك حينئذٍ بجواز أخذ ( المانع )، بل ربما وجب عليها؛ حفاظًا على نفسها.
وهذه الحبوب إنما تقوم بمنع الحمل مِن أصله، لا أنها تسقطه بعد وجوده، والحمل إنما معناه: استقرار النطفة في الرحم الذي هو بداية الخلق، لا مجرد تلقيح البويضة؛ إذْ هذا ليس بحمل.
فمنع الحمل بالدواء، حكمه كالعزل سواء، وهو الجواز كما تقدم. وممن صرح بجواز أخذ الدواء لمنع الحمل في بعض الأوقات: الزركشي من المتقدمين، ومن المعاصرين: هيئة كبار العلماء بالسعودية في قرارهم، والسيد سابق رحمه الله وغيرهم.
ومثل حبوب ( المانع ) في الحكم سواء: الغشاء الواقي، وهو الكيس الذي يوضع عند الجماع، فيمنع الماء عن الزوجة منعًا باتًّا، وكذلك حكم اللولب الرحمي، وهو جهاز بلاستيكي يوضع داخل الرحم، فيَمنع انغماس البويضة فيه، فهو جائز كالعزل.