تذكرت قصتين، وسأخبركم لماذا تذكرتهما:
الأولى قصة ذكرتها قناة «الناشيونال جيوغرافيك» عن طائرة سقطت في منطقة على جبال الألب وعلى متنها ما يقارب الـ 30 راكباً، وظلوا أكثر من شهر لم تتمكن فرق الإنقاذ من الوصول إليهم وكادوا يهلكون بسبب الجوع والبرد القارس، فأكلوا كل ما لديهم، وما إن يهلك أحدهم حتى يفرحوا بأكله لكي يبقوا على قيد الحياة، إلى أن تم انقاذ من بقي منهم حياً.
أما القصة الثانية فكانت في المغرب الذي أصابته مجاعة قاتلة، اضطرت الناس إلى أكل القطط والكلاب وكل ما تحت أيديهم، ثم بدأ الأطفال يختفون الواحد تلو الآخر الى أن اكتشفوا بأن عجوزاً كانت تختطفهم وتأكلهم.
أما لماذا تذكرت تلك القصتين، فهو بمناسبة الهستيريا التي أصابت بعض الكويتيين بسبب قلة توافر الأغنام في البلد والخوف من أن يأتي شهر رمضان الفضيل وبيوتنا ليس فيها لحم، فسمعنا عن طوابير الناس عند محال شركة المواشي التي تأتي كل يوم ثم ترجع طاوية البطون لعدم قدرتها على الحصول على اللحم، وسمعنا عن شركة المواشي في الشويخ التي يقف الناس في طوابير عندها منذ الساعة الثانية ليلاً إلى ظهر اليوم التالي لكي يحصلوا على اللحم، وسمعنا عن إشاعات تقول ان اللحم الذي يأتي من بعض الدول مصاب بأمراض خطيرة.
زوجتي - جزاها الله خيراً - تحرص دائماً على إرضاء جميع الأذواق في البيت وأحياناً تطبخ ثلاثة أنواع من الطعام للوجبة الواحدة، تحدثني بأنها ذهبت مبكراً لشراء لحم المواشي استعداداً لشهر رمضان وتمكنت من الحصول على خروفين مبردين، لكن الناس بدأوا «بالتحلطم» خوفاً من ألا يبقى لهم لحم يشترونه!!
ويحق لي أن أسأل الناس: لماذا يجب أن نأكل اللحم في رمضان وماذا سيحدث لو أننا لم نأكل اللحم؟! ولماذا لا نجرب التخلي أو حتى التقليل من اللحم بشكل عام ليس فقط تضامناً مع الشعوب الفقيرة ومع الخرفان ولكن لأننا أكثر شعب يعاني من الكوليسترول وأمراض القلب والشرايين والسكر بسبب كثرة أكل اللحم والدهون.
ولماذا لا ننتهزها فرصة للتحول إلى السمك الذي فيه الفوائد الكثيرة ومخاطره قليلة.
بالنسبة لي كلما تمت مشاورتي في البيت حول وجبة الغداء فإنني أطلب السمك أو «مشخول البطاطس» الذي ليس فيه أي نوع من اللحومات وأجده ألذ بكثير من اللحم، لكن مشكلتنا في جيل الهمبورجر من الصغار الذين يدمنون على أكل اللحم ويكرهون السمك، وكثيراً ما أجد نفسي مع زوجتي وحدنا على المائدة إذا طبخنا السمك.
بالأمس كنا في زيارة لسمو أمير البلاد - حفظه الله - وذكرنا سموه بالنعم التي أنعمها الله تعالى على أهل الكويت ولا يملكها أحد في العالم، ولم ينس سموه بأن يثني على أعمال الخير وعلى جهود الجمعيات الخيرية التي كانت السبب بعد الله تعالى في تلك النعم وأهمها نعمة التحرر من الغزو الآثم، ثم ذكر سموه بأن شعباً كاملاً يحصل على أكل مجاني من الدولة لمدة سنة وشهرين ألا يستحق منه الشكر المتواصل لله تعالى على ذلك!
وأقول: ومن مقومات ذلك الشكر ألا نجعل من قضية هامشية وهي تأخر وصول اللحم أو قلته على موائدنا، ألا نجعلها قصة كقصة جبال الألب أو العجوز المغربية.
د. وائل الحساوي
[email protected]