جعفر رجب / تحت الحزام / ترضى تصير عندنا بيوت دعارة؟!

1 يناير 1970 08:00 ص
أسهل شيء في العالم العربي ان تبحث عن شخص يحاورك في اي قضية تختارها بطريقة عشوائية، لا احد مستعداً ان ينزل من قدره ويقول لك لا اعرف، لهذا فكل قضايا وازمات الكون نناقشها في هذه الرقعة المباركة، من المفاعل النووي الياباني، الى المذاهب الهندوسية، الى طريقة اختيار «الدلاي لاما» في التبت، و بطولات الهوكي على الجليد في كندا، وستجد نفسك في النهاية قد خسرت النقاش!

لا يحتاج اي منا الى بحث وقراءة، مجرد ان نلقط الخبر من هنا، ومعلومة من هناك، وتعليقاً من فلان، نشكل رأينا وندافع عنه بشراسة، ثقافة الملخصات، وان تعرف القليل من كل شيء هي السائدة والرائجة، وان نسمع كثيرا خير من أن نقرأ قليلا، هي الافضل لطبيعتنا!

المفاهيم عندنا متداخلة على بعضها، كلها تسير «رونغ سايد»، ولو سألت اي انسان عن مفهومه للعدالة مثلا والفرق بينه وبين المساواة، او ماذا تعني حقوق الانسان، او الطفل، او المرأة... فلن تجد اجابة واضحة، بل مجرد شعارات واحاديث لا تعني شيئا!

مفهوم الحرية، هو ابسط مثال، اسأل اي واحد، سيقول لك «انا اؤمن بالحرية، ولكن مع الضوابط» وعندما يضع الضوابط تكتشف انه ليس فقط مؤمناً بالقمع، بل حريص على ان يقطع رأس الحرية، ويرميها للكلاب الضالة!

وآخر قد يقول لك «انا اؤمن بالحرية، ولكن ليست الحرية المطلقة» وطبعا تكتشف انه ليس بأفضل من سابقه، لانه يشرح لك نظريته ليقول لك، الحرية المطلقة تعني الفوضى، وتضطر ان تسكت رغم ان الفوضى نقيضة النظام لا نقيضة الحرية، هناك حرية وهناك قمع، وليس حرية وفوضى! وتصمت مرغما لانك لا تريد ان تقول له، لماذا اذاً الدول الاكثر حرية في العالم هي الاكثر نظاما، ودولنا التي تقمع كل شيء هي الاكثر فوضوية، ولماذا فقط الحرية نسبية، والصدق والشجاعة، والاخلاص... ليست نسبية!

او يقول لك «انا اؤمن بالحرية، ولكن حريتك تتوقف عند حرية الاخرين» نعم، وصلنا اخيرا الى تعريف واضح، ولكن بتفسير خاطئ لهذه العبارة الجميلة التي بلورتها الفلسفة الوجودية في اوروبا، صاحبنا المحاور يقول لك انها تعني انك حر، ولكن دون ان تعارض افكاري، وتخالف ثوابتي الدينية والاجتماعية، وتتهكم على طقوسي، ولا تحترم رموزي الدينية والاجتماعية والسياسية، ويضيف، رفضك لثوابتي الفكرية والتاريخية، كلها اعتداء على حريتي! مع ان المفهوم السابق يعني ببساطة، انك لست حرا في تقييد حرية الآخرين الفكرية والاجتماعية والدينية والسياسية، اي تعطي الآخرين الحق في معارضة كل ثوابتك الدينية والاجتماعية والسياسية وليس سجنهم وملاحقتهم وترهيبهم، وليس العكس، واذا لم يكن الانسان حرا في مناقشتك لاي من ثوابتك والتي تعتبرها مقدسات وخطوطاً حمراء، فأين الحرية اذاً؟ العبارة السابقة تعني عدم حريتك في تقييد حريتي!

او الاكثر ذكاء يدخل عليك من النافذة، ليقول هل هذا يعني ان ترضى ان نفتح بيوتا للدعارة؟! وتتساءل، ما علاقة بيوت الدعارة بالحريات؟! لماذا لم يقل هل الحرية تعني فتح بيوت لاستعباد الناس، او فتح بيوت لبيع المخدرات، او فتح بيوت لقتل الناس، او فتح بيوت للسرقة! ألا يعي ان القيم الانسانية متكاملة، وان الحرية لا تعني حرية الكذب، او الظلم او القتل او السرقة... لماذا نطّ على بيوت الدعارة فقط؟ او يتصور ان الحرية تعني ان الناس سيمشون في الاسواق «من غير هدوم»!

اننا شعوب لا نعرف معنى الحرية، لاننا مع الاسف لم نمارسها!





جعفر رجب

[email protected]