عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / معادن الرجال

1 يناير 1970 04:51 م
هناك مثل معروف يقول «الرجال مخابر مو مناظر» وهو يدل على أن حقيقة الإنسان لا تتبين إلا بعد التعامل معه، وقبل أن أذكر سبب طرح الموضوع، أود القول بأنني ألقيت خطبة جمعة سابقة حول دروس الإسراء، وبينت كيف أن الله تعالى عوض رسولنا الكريم عن الأذى والإساءة التي لقيها من أهل الطائف برحلة الإسراء والمعراج، والتي كان بها التسرية والتسلية له، وقلت ان على المسلم أن يتعلم درساً وهو أنه من اعتصم بالله وأحسن الظن به وصبر على الأذى سيعوضه الله خيراً، كما حدث للنبي عليه الصلاة والسلام.

وفي الحقيقة لم أتوقع أن أمر بنفسي بهذه التجربة بعد يومين فقط من إلقاء الخطبة، ففي محادثة مع أحد الأشخاص العاملين بوزارة من طبيعتها الوعظ والإرشاد ولي به معرفة وكنت أود الاستيضاح حول موضوع معين، وإذ بي أصدم به ومن دون سابق إنذار يوجه لي اساءة لم أتلقها من أحد طول حياتي، و لحظتها أردت أن أرد الإساءة بمثلها ولكن أخلاقي منعتني، وظللت طول اليوم في صراع مع النفس لماذا لم أنتصر لها، لكن مما تصبرت به تذكري لما ورد من آيات وأحاديث، وسيرة عطرة لنبينا عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام في العفو والصفح، وبرغم كل ذلك إلا أن الموقف كان يمر في ذهني بين لحظة وأخرى ويأخذ شيئاً من تفكيري، كيف صدرت تلك العبارات من ذلك الإنسان الذي هو أولى الناس بالالتزام بالأخلاق الكريمة وحسن الخطاب، وخاصة أنه لم يصدر مني ما يجعله يشن ذلك الهجوم!

في اليوم التالي كنت قد رتبت نفسي والعائلة للسفر إلى عروس الجنوب أبها البهية عن طريق البر، وكنت قد تحدثت قبل فترة عن هذه السفرة مع أخ وزميل عزيز وهو أبو سلطان الدوسري، ويشاء الله أن يتصل الزميل ليسأل عن موعد سفري فأخبرته بموعد مغادرتي، فأقنعني أن اتخذ الطريق الذي يمر على وادي الدواسر، على أن أبلغه قبل وصول الوادي بفترة، وفعلاً اتصلت به وإذ بي أتفاجأ بقسمه علي بألا أتجاوز الوادي حتى أتغدى عنده، حاولت الاعتذار مراراً، وبينت استعجالي وطول الطريق إلا أنني لم أستطع أن أثنيه عن إصراره، فقبلت الدعوة، وما إن وصلت الوادي حتى غطاني بسيل كرمه وجود معروفه، فقد استأجر لي ولعائلتي شقة خاصة وما إن دخلت حتى وجدت مائدة عليها خروف كامل، وقد وضع أنواعاً شتى مما لذ وطاب من الطعام، ناهيك عن بعض مستلزمات طريق السفر من الأطعمة والأشربة، ما جعلني في حرج شديد في رد هذا المعروف له، وقبل المغادرة لاستكمال الطريق أخبرني بأنه قد وصى شخصاً يسكن بالقرب من أبها ليبحث لي عن شقة مناسبة، خاصة مع صعوبة ايجاد سكن في هذا الصيف لكثرة المصطافين، وبالفعل اتصل بي ذلك الجنوبي وعرف حاجتي، واقترحت عليه مكاناً جربته من قبل، وبالفعل قام بالسؤال في أماكن عدة وحجز لي بها حجزاً أولياً، وبقي ينتظر عند المجمع السكني ليطمئن بنفسه، حتى وصلت في الثامنة مساء، فوجدته وكانت عائلته في السيارة كما أخبرني، فشكرته على معروفه وحسن صنيعه، وعجزي عن رد هذا الدين، فأحرجني بأن دعاني للعشاء في أي يوم أختاره، فقلت إن فترة إقامتي قصيرة وأود أن أستغلها في التجول في هذه المدينة الجميلة، فقال إن أردت أن تنقطع الصلة والعلاقة فأسلم عليك الآن، وإن أردت أن نكون أخوين وصديقين فلتلب طلبي، فقلت إنني لم أستطع التخلص من دعوة صاحبك أبي سلطان الدوسري، حتى أقع في دعوتك؟

في الحقيقة لا أخفي سراً إن قلت ان هذه الحفاوة التي وجدتها من أخوي أبي سلطان الدوسري وأبي محمد الأحمري، خففت عني كثيراً من آثار تلك المكالمة المشؤومة، وبينت لي معادن الرجال، وأيقنت فعلاً أن الرجال مخابر وليس مناظر وأن كل إناء بما فيه ينضح.





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

(من أبها عروس الجنوب)

[email protected]