د. وائل الحساوي / نسمات / جولة اسكندرانية

1 يناير 1970 01:32 ص
في شهر يناير الماضي عزمت أنا والأسرة الكريمة أن نقضي إجازة منتصف العام في مصر، وجهزنا الحجوزات، ولن نلبث قليلا حتى فوجئنا باندلاع الثورة المصرية، فعزمنا على التوجه إلى سورية، وبعد شهرين اندلعت الثورة في سورية.

قررت مع الأهل زيارة مصر لتعويض رحلتنا السابقة وسألنا الله الا تفجر زيارتنا ثورة جديدة، وفعلا توجهنا في عطلة الاسراء إلى الاسكندرية وكانت فرصة لمتابعة احوال مصر بعد الثورة، وقمت بزيارة بعض الاصدقاء المصريين الذين كانوا يعملون معنا في الكويت.

لا شك ان الحياة قد عادت لطبيعتها بعد انتهاء الثورة ولا تكاد ترى اي اثار لها ولكن بدأ ذلك التغيير واضحا في نفسيات عموم الشعب الذي كان في قمة السعادة لسقوط النظام السابق، ولم نجد احدا يترحم على عهد مبارك بل الكل يحمد الله على زواله، ولكن هنالك خوفا وترقبا مما هو آت.

تلمست شعور عامة الناس من خلال الحديث مع سائقي التاكسي وبعض الناس فوجدت بان احوالهم المعيشية لم تتحسن كما كانوا يتوقعون بل ازدادت المصاعب حيث ارتفعت الاسعار بشكل كبير وازداد تسلط التجار على رقاب الشعب، وقد استمعت إلى برنامج للطبخ عبر الاذاعة تحدثت فيه المذيعة عن طبخات من دون لحم، ثم علقت قائلة: «لو علمتكم طبخات باللحم لأكلتم بعضكم بعضا لان اللحم كما تعلمون غير متوافر».

كما اشتكى الناس من الامور «سايبة» وليس هنالك من ينظم احوال الناس، وهذا ما لاحظناه في الشوارع من قلة رجال الأمن وتجنبهم للاحتكاك بالناس، لكن ذلك كان له فوائده اذ يحدثني سائق تاكسي بان الميزة الوحيدة لما بعد الثورة هو أن غطرسة رجال الأمن قد قلت كثيرا بعدما كانوا يعانون منهم الأمرين، شاهدت سيارة بها مكبرات للصوت تدعو الناس لحضور تجمعات للاخوان المسلمين، كما توقفت بنا السيارة وسط شارع الكورنيش- اكبر شارع في الاسكندرية- نصف ساعة حيث مررنا على مجموعات شبابية متجمعة توجه السير وتوزع المنشورات التي تدعو إلى الاعتصام يوم 7/8 احتجاجا على عدم تطبيق الثورة للإصلاحات المنشودة وعدم المحاكمة الجدية لمبارك واعوانه وعدم استرداد اموالهم التي سرقها النظام السابق، بل وقد اقدم بعضهم على تكسير زجاج بعض السيارات المارة، وفي تصوري ان ذلك يعبر عن خيبة أمل لما كانوا يتوقعونه من تغيير لم يحصل واتوقع ان تتصاعد ردات الفعل تلك في الايام المقبلة، لاسيما وانه لم يحسم بعد شكل النظام المطلوب واسلوب تشكيل الحكومة، وانشغال الجيش باعادة الأمن وتسيير الامور بشكل طبيعي، فهل سيمهلهم الشعب ام سينفجر من جديد؟! اما الحديث مع المثقفين المصريين فينبؤك بحجم القلق الذي ينتابهم خوفا من تقلد المناصب العليا لرجال العهد البائد لا سيما وهم يعلنون في كل مناسبة بانهم كانوا ضد النظام السابق ولم يتعاونوا معه لكي يبرئوا انفسهم من المسؤولية، وليس اسهل من القفز من المركب الغارق واعلان البراءة من اهله!!

اما الصحف المصرية فقد كانت منذ السابق منفتحة وجريئة لكنها اليوم أكثر في العدد وتتفنن في كشف خفايا النظام السابق وفضائحه وأتوقع ان يتحول ذلك الاحتقان المتصاعد إلى قنبلة من الغضب قد تنفجر في اي لحظة اذا لم تتحقق للشعب المصري آماله وطموحاته بعد تشكيل الحكومة المقبلة.





د. وائل الحساوي

[email protected]