| لطيفة جاسم التمار * |
الأنثى هي الأنثى هي التوق إلى الحياة، والبحث عن الآخر من خلال تقاليد قاسية عانت منها المرأة العربية في مجتمع يسيطر عليه الذكر، لكن كما قلنا سابقا تبقى الأنثى هي نبع الحياة، وهي تعي أن الخلاص لا يأتي إلا بالحب فالحب هو القوة الربانية التي عوضها الله بها لتستطيع تحطيم القيود وتكسر القضبان، تبرز هذه المشاعر عند الشاعرة في قصيدتها «هو وهي» حين تقول:
حدثيني ليلى
هي: حياتي يا عباس حلم
مروع الأشباح
حلم أطبقت عليّ به جدران سجن
داج رهيب النواحي
أعطت مثالا معبرا عن مشاكل المجتمع العربي، باستدعائها شخصية «ليلى العامرية» التي فرض عليها مجتمعها القيود في زمانها، واستخدمتها الشاعرة كمعادل موضوعي لذات التجربة في زمانين مختلفين ومتباعدين.
تشعر الشاعرة بأنها تمثل كل النساء وليس العربيات فقط، فتشكل من شعرها سلاحا تستطيع أن تخلق به حلما جديدا تجذب إليه النساء المقهورات في مجتمعات ذكورية، وتحرضهن على التمرد والخروج من أقماع القمع إلى تنفس الحرية فتقول:
كم فتاة رأت بشعري انتفاضات
رؤاها الحبيسة المكبوتة
كان شعري مرآة كل فتاة
وأد الظلم روحها المحروقة
تعيش الشاعرة صورة الحب التاريخية في ذهنها فتعرضها من خلال عملية الاستدعاء خصوصا عندما كانت في مرحلة الشباب الأولى، فتعيشه في شعر «قيس وجميل» وكأنها تتمنى أن تعيش مثل تلك التجارب العاطفية الخالدة وتتأمل أن تستعيض بالحب الخيالي عن الواقعي، فتقول في إحدى قصائدها:
كم هزني تدفق الشعور في قلوبهم
كم عشت حبهم، حنينهم عذابهم
كم قال لي قلبي الحزين:
«ما أسعد الأحباب رغم ما يكابدون»
«كم يغتني الإنسان حين يلتقي
هناك من يحبه، كم يغتني»
ولم يكن هناك من يحبني
تفتقر الشاعرة إلى وجود المشاعر الصادقة والتي ترسخ الإحساس بالحب الصادق الشفاف الذي يصعب الوصول إليه فتقول:
ولم أزل أطوف الآفاق خلفها
أغوص في البحور
أبحث عن الأعماق، في الوجوه
في العيون
...
كانت سرابا في سراب
كانت بلا لون بلا مذاق
الحب عند الآخرين جف وانحصر
معناه في صدر وساق
فقد أضحى الحب سرابا كلما اقتربنا منه ابتعد، صورة معبرة قدمتها الشاعرة بشيء من الحسرة ترسيخا على الحب الخواء المفقود، ومن ثم لا يكون الحب سوى مفردة تشكل قناعا يتوارى خلفه الزيف والكذب، ركزت الشاعرة على رغبة المرأة العربية بوجود الحب الصادق والذي يشكل أقوى علاقة إنسانية على الإطلاق في زمن انكسار لرومانسية وطغيان الماديات، لكن يبقى حب الوطن هو الحب الأصيل الذي لا يمكن أن يبدل خصوصا لو كان الوطن مسلوب «فلسطين» تقول الشاعرة:
الوطن
يا جرحنا العميق
يا حبنا الوحيد
ثم تصرخ الشاعرة قائلة:
آه ما أعلاه حلوا ومشوه
يا عذابا يتنامى
يا جراحا تتأوه
الوطن الأرض المسلوبة تشكل هاجسا كبيرا ومؤلما للشاعرة فحب الوطن لا يضاهيه حب، هو الحب الأزلي الأبدي. فحب فلسطين يشكل عذابا وألما للشاعرة التي سلب وطنها وهي في حيرة كيف يمكن أن يسترد؟. إذاً شكل الحب مرحلتين بالنسبة للشاعرة مرحلة الحب الذاتي، ومرحلة حب الوطن الذي أفضى بها إلى الجرح والألم، فليس حب الوطن كأي حب.
* ماجستير أدب عربي
[email protected]