د. مفيد الصواف / حتى لا يُغرِقَ الإصلاحُ سورية

1 يناير 1970 03:14 ص
عند التطرق إلى موضوع سورية في هذه الأيام يستغرب المرء هذا الاهتمام الذي توليه دول الغرب خصوصا الولايات المتحدة للتطورات. بل يمكن القول إن هذا الاهتمام يفضح النوايا الحقيقية لـ «المهتمين»، فالاهتمام المفرط يدفع إلى الاشتباه في أن أصحابه ربما لم يكونوا ينتظرون ما يحصل الآن فحسب وإنما كانوا في الواقع يترقبون نتائج ما خططوا له بالنسبة إلى سورية، ويبدو واضحا من ردات الفعل الأميركية المتوالية، وهي فاضحة كثيرا، ان الولايات المتحدة غير راضية عما حققت بالنسبة إلى ما تضمره لسورية. فهل توقف كثيرون عندما أعلنته الادارة الأميركية ومفاده أن سورية تعرف ما ينبغي عليها أن تفعل في المجال الإقليمي؟

ما كان ملاحظا في هذا المجال أن وسائل إعلام كثيرة تورطت في حملة مكشوفة على سورية صار فيها كل شيء مباحا بما فيه أبسط قواعد العمل الإعلامي الموضوعي.

لندع نظرية المؤامرة جانبا ونحن نحلل ما وصلت اليه الأوضاع في سورية. ولنفترض أن ما يحصل يتصل ولو جزئياً بما حصل في تونس ومصر وليبيا. ذلك أن الأوضاع في سورية لم تكن قريبة من المثاليات أبداً. لكن في الوقت نفسه يحق لنا التساؤل: لماذا تعمل جهات خارجية على إذكاء الأحداث في سورية على الرغم من تصاعد وتيرة الإصلاح في كل المجالات؟ ولماذا يرتفع سقف المطالبات مع ان القرارات الإصلاحية تجاوزت بكثير ما رفعه المشاركون في التظاهرات الأولى؟ ولماذا تلجأ جماعات إرهابية إلى استعمال السلاح ضد الجيش وقوى الأمن والمواطنين الأبرياء العُزل؟ ولماذا يتوازى التصعيد بين ما تقوم به جماعات سياسية في الداخل والخارج وأطراف دولية وكأن بين هذه الأطراف تنسيقا مدروسا جيدا؟

الإصلاح في سورية مسيرة بدأت مع عهد الرئيس الدكتور بشار الأسد في عام ألفين بمبادرة منه لم تكن مدفوعة بأي ضغط خارجي وإنما كانت تنطلق من حاجات سورية خالصة حتى ترمي إلى النهوض بسورية في جميع المجالات. تلك المسيرة لم تكن مثالية. وقد شابتها مثالب كثيرة. لكن ألا يلاحظ أن الوضع الاقليمي الضاغط خصوصا بعد احتلال العراق جعل المحافظة على سلامة سورية هي الأولوية الأولى؟ لماذا تسدد الولايات المتحدة تآمرها على سورية على الرغم من أن سورية متقدمة على كثير من حلفاء واشنطن الاقليميين في مجالات عدة؟

إذا كانت الولايات المتحدة تعتقد أنها في وضع يجعلها قادرة على أن تملي نصائحها، يمكننا أن نتساءل: هل أوفى الرئيس الأميركي باراك أوباما بما وعد به ناخبيه في حملته الانتخابية؟ وكيف يمكنه أن يفسر ابتلاعه الأكثرية الساحقة من تلك الوعود؟ بل يمكننا أن نسأل عن التغيير الذي وعد بأن يحدثه في الشرق الأوسط، وهل هذا التغيير هو الرضوخ من دون أي استحياء لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدما أعلن هذا الأخير رفضه القاطع قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو من عام سبعة وستين؟

لو كانت الإدارة الأميركية صادقة في الضغط على سورية من أجل الاصلاح لعرفت أنها أي هذه الإدارة أن الإصلاح لا يأتي بجرة قلم، فأين هو التغيير الذي حمله الرئيس الأميركي إلى شعب الولايات المتحدة في القضايا الداخلية والخارجية؟ وهنا يمكننا الاستناد إلى آخر الأرقام التي أظهرتها بيانات المؤسسات المتخصصة في الولايات المتحدة خصوصا في ما يتصل بالاقتصاد والبطالة وفرص العمل.

نحن لا نُحّمِل الرئيس الأميركي مسؤولية حدوث الأزمة المالية العالمية التي انطلقت أساسا من بلاده، لكن يمكننا أن نتساءل: ماذا فعل حتى الآن حتى يغير السياسات الخاطئة والممارسات اللصوصية التي أغرقت الولايات المتحدة ومعها العالم في أسوأ أزمة اقتصادية منذ العام 1929؟

الأخطر من ذلك أن توجد جماعات تستدعي التدخلات الأجنبية وفي مقدمتها التدخل الأميركي وهي تعرف مسبقاً أنه حيثما حل الأميركيون (سياسياً) في الأعوام الأخيرة حل التدمير والقتال ونزاعات لا تنتهي. فإذا كانت الولايات المتحدة خبيرة في إصلاح شؤون بلدان أخرى فلماذا لم تصلح أوضاع العراق وأفغانستان وهي التي احتكرت التدخل السياسي الخارجي فيهما مدة طويلة؟

المطلوب الآن من سورية ليس الإصلاح. وإنما المطلوب هو رأس سورية تحت ذريعة مساندة ما يسمى «الربيع العربي». هذا في سورية. أما في المنطقة عموماً فإن المطلوب هو تطويع العرب حتى يتعودوا أن ينسوا أن لديهم قضية عادلة اسمها فلسطين. والتقسيم هو الطريق إلى التطويع. والحالات الأشد ظهوراً الآن هي ليبيا واليمن والسودان. أما الوضع في مصر وتونس فيبقى «باطنياً» و«عائماً» بانتظار انتهاء المرحلة الانتقالية. وإلى ما بعد الدول المذكورة آنفاً ماذا يمكن أن يحصل في دول عربية أخرى معروفة بتنوع مذهبي وعرقي وبتاريخ لا يخلو من صراعات سابقة؟

الحرية شعار رفعه متظاهرون في سورية كثيرا. لكن هل تمكنوا من رفعه في ظل غياب الحرية؟ أليس الحوار الذي أطلقه الرئيس الدكتور بشار الأسد هو في نهاية المطاف حوار بين اطراف متعددة الاتجاهات السياسية؟

وهل المقصود بالحرية هو ان تستشري الفوضى في سورية؟ لمن يجهل او يتجاهل نعيد تذكيره بأن التركيبة الداخلية في سورية مختلفة تماماً عما هو موجود في مصر وتونس، والوضع الديموغرافي في سورية هو اقرب لما يوجد في لبنان والعراق من حيث التنوع الديني والمناطقي، في لبنان يوجد الكثير من الحرية، لكن ما هي نسبة الديموقراطية الحقيقية؟ ألم يقل الرئيس سليم الحص ان في لبنان كثيراً من الحرية وقليلاً من الديموقراطية؟ والعراق الذي ينتقل من ازمة الى اخرى.

هل يساعده التدخل الاجنبي في حل خلافات تبدو تسويتها مستحيلة؟

النظام السياسي في سورية قدم ارضية صلبة للبدء باصلاحات حقيقية تقوم على الحاجات الفعلية للشعب السوري، لكن الرد على الاصلاح بمزيد من التصعيد الفوضوي بل الأمني يتطلب اعادة النظر بسرعة في الاصلاح السياسي بل يتطلب ابطاءها والتركيز بدلاً منها على الاصلاح الاداري والاقتصادي الذي يمكن ان يشمل الاكثرية الساحقة من شعب سورية، ذلك ان مواصلة الاصلاح السياسي بهذه السرعة يمكن ان تنطوي على تهديد استقرار سورية والتضحية بكل شيء بما فيه الاصلاح، وربما تصبح سورية لاسمح الله بلداً غير قابل لحكم مركزي يحفظ وحدتها. أفلم يحدث ذلك في لبنان؟ ولما كان الشيء بالشيء يذكر، افلم تساعد سورية بنظامها السياسي المعروف في منع تقسيم لبنان؟ افلم تساعد في استعادة وحدة مؤسساته بما فيها الجيش والحؤول دون طغيان فئة على اخرى؟

الاستقرار هو الاولوية الاولى، من بعده يمكن استكمال الاصلاح، ذلك ان اطلاق الاصلاح بلا اي ضوابط يمكن ان يؤدي الى نقيض المرجو، افلم يحدث ذلك في الاتحاد السوفياتي السابق المعروف بتنوعه عرقياً وقومياً ودينياً وجغرافياً هل بقيت البيريسترويكا (اعادة البناء) والغلاسنوست (الشفافية) بعد ميخائيل غورباتشوف؟

وماذا اعقب انهيار الاتحاد السوفياتي من حروب في القوقاز وآسيا الوسطى لم تنته اثارها بعد؟ افلم تتمكن الصين من تلافي انهيار مماثل على الرغم من انها تحتوي مثل ذلك التنوع بفضل ضبط وتيرة الاصلاح؟

ما يوصف بأنه معارضة سورية ينبغي التوقف عنده بهدوء، وافضل تعليق على طبيعتها هو ارتباطاتها الخارجية وردة فعل اطرافها على مرسوم العفو العام.

فماذا تريد اكثر من ذلك؟ ردة فعلها كانت تتجاوز الاصلاح الى المطالبة باسقاط النظام، فهل تملك برنامجاً يمكن ان يحفظ الاستقرار في سورية والوحدة الوطنية؟

ربما كان مؤتمر انطاليا دليلاً قوياً على طبيعة المعارضة، فماذا يجمع بين اطرافها غير التطلع الى السلطة؟

نظام الحكم في سورية قدم الكثير في الفترة الاخيرة مما لم يقدمه اي نظام في دولة اخرى، فماذا يريد اللاعبون على عواطف شعب سورية؟ وهل ينبغي على النظام وحده ان يقدم كل شيء وان يكتفي الآخرون بمطالبات لا تنتهي؟ افلم يقل الرئيس الاميركي الاسبق جون كينيدي: لاتسألوا وطنكم عما يمكن ان يقدم اليكم وانما اسألوا انفسكم عما يمكن ان تقدموه الى الوطن.

ان ما يحدث في سورية ليس ثورة بأي حال وانما هو اقرب الى الثورة المضادة التي تحمل برامج ليس لها اي صلة بالاصلاح، والمطلوب في الوضع الحالي هو المزيد من الحزم لمصلحة سورية كلها، واسوأ ما يمكن ان يأتي به الاصلاح هو ارضاء فئات لا تسعى وراء خير سورية وانما تسعى وراء برامج فئوية خارجية المنشأ.

الشعب في سورية ونظام الحكم في مركب واحد لا ينبغي ابداً المساومة على سلامته.



د. مفيد الصواف

عضو اللجنة الإدارية لجمعية الأطباء الأميركيين العرب