د. وائل الحساوي / نسمات / يا وليدي... احمد ربك

1 يناير 1970 11:43 م
فتح عينيه مع نسمات الصباح الباكر ليجد بأن درجة الحرارة الخارجية تقترب من الأربعين درجة مئوية. فتح «الدوش» ليغتسل فإذا بجلده ينسلخ، لكنه تذكر نصيحة مدربه الرياضي بضرورة دخول حمام السونا لتطهير جسمه يوميا.

فتح الصحيفة ليعرف ما يدور في العالم فإذا العناوين الرئيسية تتحدث عن كارثة بيئية في الكويت بسبب الملوثات في الجو التي رفعت نسبة الوفيات السنوية الى 740 شخصا ترتفع الى الف بسبب مرض السرطان - اعاذكم الله منه - واستضافات للكثير من الشخصيات التي تدعي بأنهم خبراء في البيئة، والكل يخوفنا من جانب ويبالغ من اجل شد الانتباه، فإذا كانت هيئتنا الرسمية للبيئة يقوم عليها من لا دخل لهم بالبيئة فكيف نصدق اولئك الخبراء لا سيما ممن ينقلون لنا تقارير اميركية عن ازدياد نسبة التلوث السام وخطورته البالغة مع ان الاميركيين لم يجروا اي دراسة او بحث حول الموضوع وانما تكلموا عن جنودهم الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت.

وليت الخبراء قد اكتفوا بالحديث عن تلوث الجو لكنهم

تحولوا الى مياه الشرب التي نشربها وشككونا فيها ثم الى

ماء البحر لكي لا نقترب منه والي مصانع أم الهيمان لكي يحذرونا منها والى محطة مشرف للتنقية لكي يوقفوها ثم الى الكهرباء لكي يحذرونا من انقطاعها الوشيك بسبب زيادة الاحمال.

ذهب الى الدوام لكي يدور النقاش مع زملائه عن معارك نواب المجلس ومغامراتهم التي لا تنتهي وازمة الحكومة وسعي النواب لإسقاط رئيس الوزراء بانتظار القائد المظفر الذي سيأتي لينتشل البلد من سقطته ويوصله الى مصاف الدول المتقدمة، والمشكلة هي ان هؤلاء الموظفين لا يؤدون إلا أقل القليل في وظائفهم،

رجع صاحبنا من الدوام الساعة الثانية ظهرا وقد قاربت درجة الحرارة الحادية والخمسين درجة، ولم يفلح الغبار الشديد في كسر حدتها بل زاد من تلطيخ الشعب الهوائية بالسموم وزيادة العبء على العمال والخدم بالتنظيف، واضطرار مرضى الربو للتسابق على المستشفيات لأخذ العلاج سارت سيارته في طابور صامت مع سيل السيارات الهادر وسط شوارع المدينة تتقدم خطوة ثم تقف دقائق، وعلى جانبي الطريق لافتات كثيرة كتب عليها «اعمال طرق» «اعذرونا على القفل الموقت للطريق» «المشروع سينجز العام 2015» وهكذا، وتذكر صاحبنا بأنه قد قرأ تلك العبارات نفسها في السبعينات ومازالت الطرق لم تكتمل.

خرج مع زوجته وابنائه للتنزه، ذهبوا الى البحر فإذا بهواء السموم يشوي وجوههم ويفسد على الاطفال ابتسامتهم، تحولوا الى المجمعات التجارية فإذا هي مكتظة بالزائرين وكأنهم في علب السردين، والشباب «الماسخ» يلاحق اهله ويتحرش بهم.

عقد اجتماعا طارئا لأهله لمناقشة امكانية السفر للخارج، فوجدوا بأن البلاد العربية قد اغلقتها الثورات والاضطرابات والبلاد الاجنبية قد افسدها الغلاء وصعوبة استخراج الفيز، كما ان طول المسافات مرعب لبعض افراد الأسرة.

ذهب فى المساء لزيارة والدته وقص عليها ما رآه من اهوال طوال اليوم فقالت له: «يا وليدي... احمد ربك فلو رأيت ما عانيناه من قبل لعلمت النعمة التي أنت فيها، وانظر حولك بما يجري في العالم من زلازل وبراكين وأعاصير وفقر وجوع... احمد ربك يا بني».





د. وائل الحساوي

[email protected]