عبدالعزيز صباح الفضلي / رسالتي / الحربش ومعادن الرجال

1 يناير 1970 04:50 م
المواقف والأحداث تظهر حقيقة الرجال، وكما أن الذهب لا يتخلص من الشوائب إلا بعد تعرضه للحرارة العالية، فكذلك معادن الناس لا تظهر حقيقتها إلا من خلال الفتن والابتلاءات. كم سمعنا قديماً لخطب رنانة، وقرأنا كتابات رنانة، وكلها كانت في الإطار النظري، ولم تتكشف حقيقة أصحابها إلا بعد أن جُربوا في الميدان العملي. فلو ألقينا ألف خطبة في الورع، وكتبنا مليون حرف في عزة النفس، فلن نكون صادقين في دعوانا، حتى ننجح في التجربة الحياتية الميدانية.

ها نحن نتابع مجموعة من القوم على المستوى المحلي أو العربي، قديماً وحديثاً، فنراهم يتساقطون واحداً تلو الآخر بمجرد أن تمر بهم رياح الفتن في الخير أو الشر. ألسنا نرى تغيير حال ذاك الذي كان على المنابر خطيباً مفوهاً، فلما ذاق عسيلة الكرسي، نسي ما كان يدعو إليه من قبل وأصبح من شهود الزور، وتزييف إرادة الأمة. أم هل يمكننا أن نتغافل عن ذاك الذي باع جماعته وحركته وإخوانه من أجل الكرسي الوزاري، وانقلب حاله 180 درجة فبعد أن كان يصف الحكومة بأنها حكومة فساد أصبح الآن محاميها ومن أكبر المدافعين عنها. وهل ننسى ذاك الذي ذهب من المجلس بغير رجعة غير مأسوف عليه، والذي رفع شعار نصير الطبقة الكادحة ثم تنكب لشعاراته وبلع وعوده مع أول جلسة للمجلس.

وإذا ما انتقلنا إلى عالمنا العربي، فلن يكون بأفضل حالاً، فها نحن نرى من كانوا يعدون من علماء الأمة، ممن كانت لهم صولات وجولات ومؤلفات، وإذ بهم يقعون في فخ الفتنة، فيطبلون للجلاد، ويهاجمون الضحية التي تطالب بحريتها فيصفونها بالحثالة، فأين تنظيركم، وأين وصاياكم التي امتلأت بها مؤلفاتكم؟

لقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام من فتن يبيع الرجل فيها دينه من أجل عرض من الدنيا قليل، والله تعالى يقول «ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمنّ الكاذبين».



رحيل الحربش

انتقل إلى رحمة الله تعالى العم ظاهر الحربش، والد النائب الفاضل الدكتور جمعان، ولمن لا يعرف الفقيد رحمه الله فنقول انه كان موصوفاً بالشجاعة والكرم، عزيز نفس، عفيف لسان، لين الجانب، وكان من تواضعه أنه لا ينادي خادمه البنغالي إلا بـ (يا ولدي)، وعرف عنه الطيبة والرحمة بكل من حوله، رعى أبناءه فرباهم خير تربية وحرص على تعليمهم حتى حصل معظمهم على درجة الدكتوراة، ولم يرحل عن الدنيا إلا بعد أن خلف من ورائه أبناء يفتخر بهم، ومنهم الدكتور جمعان، والذي حرص على رد بعض الجميل لوالده، فرغم كثرة انشغالاته والتزاماته إلا أنه حرص على ملازمة الفقيد في المستشفى إلى آخر لحظة في حياته، وفي هذا رسالة عملية من النائب في أهمية بر الوالدين وعدم تقديم أي مسؤولية على برهما.

رحم الله العم أبو سالم الحربش وأسكنه فسيح جناته، ولا نقول إلا ما يرضي الرب: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا عم لمحزونون.





عبدالعزيز صباح الفضلي

كاتب كويتي

[email protected]