يتساءل الناس وهو يتابعون مناظر الدماء والأشلاء، وسقوط الضحايا المدنيين من نساء وشيوخ وأطفال، على يد المجرمين من أتباع بشار وصالح والقذافي، ويقولون لماذا لا ينتقم الله من أولئك الظالمين، لماذا لا يستجيب الله دعاء الأمهات الثكالى التي قتل أبناؤهن، والأطفال اليتامى الذين فقدوا آباءهم على أيدي (الشبيحة) وأزلام الجلادين؟
وأقول لهؤلاء لا تستعجلوا، فإن الله تعالى يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، والله تعالى يقول لدعوة المظلوم: «وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» لكن تأخير انتقام الله عز وجل من أولئك الظلمة له حكمة، ولعل منها ضعف صلة الناس بربهم، وابتعادهم عن طاعته وتجرئهم على معصيته ومخالفة أمره، ومما يذكر من أدلة على ذلك أن صلاح الدين الأيوبي في حربه مع الصليبيين وقبل المعركة بليلة أخذ يتفقد أحوال الجيش، فوجدهم بين قارئ للقرآن الكريم وبين قائم يصلي، وبين متضرع يبكي، ووجد خيمة قد نام أصحابها فقال أخشى أن نؤتى من قبل هؤلاء.
وقد يتأخر نصر الله بسبب عدم التعلق الخالص بالله، والاتكال على غيره، كالدول الغربية أو هيئة الأمم، والاعتقاد أن زوال الأنظمة لن يتحقق إلا على يدها، وقد شبه الله تعالى من اعتمد على غيره بأنه قد اتكل على ضعيف، قوته أوهن من بيت العنكبوت فقال «مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون» لذلك من أراد النصر والتمكين فلا يرتجي في ذلك سوى الله تعالى القائل «إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون».
وقد يتأخر انتقام الله من الظالمين بسبب عدم اخلاص أصحاب الحق لله، فقد يكون عند البعض أطماع دنيوية، أو يرغب في تمجيد اسمه أو تلميع حزبه، أو غيرها من الأهداف، والله تعالى إنما ينصر من أخلص التوجه له سبحانه، فعندما سئل الرسول عليه الصلاة والسلام عن الرجل يقاتل في المعركة شجاعة، أو سمعة، أو لكسب غنيمة، فأيهم يكون في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.
وقد يتأخر النصر على الظالمين بسبب، عدم بذل الناس كل طاقتهم، والتردد في التضحية بما يملكون، وفي مقدمتها الروح، وتخيل لو هب الناس هبة رجل واحد، لما بقي على الكرسي ظالم، ورضي الله عن أبي بكر الصديق حين قال: اطلبوا الموت توهب لكم الحياة.
وقد يتأخر هلاك الظالمين، حتى تتكشف حقيقتهم أمام الناس، فكثير من السذج والبسطاء ما زال يعتقد في هؤلاء أنهم حماة العروبة، وهم الواقفون ضد المد الصهيوني الصليبي، أو يظن البعض أن هؤلاء الزعماء أصحاب إصلاح، وأنهم يقومون ببعض التعديلات كحكومات جديدة أو رفع لحالة الطوارئ وغيرها، وأنه لابد وأن نعطيهم فرصة، فإذا ما أوغلوا في الدماء، وتناثرت الأشلاء، وقصفت القرى ومساكن الآمنين بالدبابات والأسلحة الثقيلة، تكشفت للعامة حقيقة هذه الأنظمة الدموية، وساعتها لو أزيلت، فإنها ستذهب غير مأسوف عليها، وكما قال الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله «لا يغرنك امتداد سلطان المفسدين، فإن من حكمة الله أن لا يأخذهم إلا بعد أن لا يوجد من يقول عنهم : يرحمهم الله».
النتن ياهو وزوال إسرائيل
تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن بلاده لن تتخلى عن الأراضي التي احتلتها في 67، كانت أقوى صفعة لكل من ينادي بالسلام من العرب، ولذلك ما ذكرته من نقاط تتعلق بتأخر زوال الظالمين، وطبقناها على الصراع بين العرب وإسرائيل، لتكشفت لنا أسباب تأخر النصر على الصهاينة الملاعين، ومع ذلك فإننا نستبشر خيراً في هذه الأمة التي نفضت الغبار عن نفسها وتصالحت مع ربها، وقدمت ولاتزال تقدم التضحيات، ونقول لكل من سأل عن موعد الخلاص «ألا إن نصر الله قريب».
عبدالعزيز صباح الفضلي
كاتب كويتي
[email protected]