الطائفية شر لابد منه في مجتمعاتنا العربية. قبل شهر تقريباً وعقب نجاح الثورة الشعبية في مصر، كتبت مقالة عنوانها «جمهورية مصر الإسلامية»، وقلت فيها وبالحرف الواحد... «واليوم ستبدأ معركة جديدة بين الديموقراطية العلمانية والفقه الإسلامي، فهل أنتم مستعدون؟».
ولم أتوقع أن تقرأ المقالة بحكم العادات العربية في مقاطعة القراءة، ولكني كنت على خطأ فهناك من يقرأ في العالم العربي، بل وأضاف القارئ الوحيد تعليقاً على مقالتي، وللأمانة فقد خطأني وكاد يوبخني لولا لطف الله ورقابة الجريدة، وفي معرض رده عليَّ: أنني جاهل بالتاريخ وأن مصر ذات حضارة تمتد لسبعة ألاف عام كما يقول! و ضحكت في سري من التعليق الساذج، وتمنيت أن يكون كلامه صحيحاً، ولكن ما كنت أخشاه وقع، فقد ثارت إمبابة، وأسيوط، والإسكندرية، وغيرها مما لا نعلم من المدن المصرية، وأحرقت الكنائس، وسقط القتلى من الجانبين والحبل على الجرار والحرب الطائفية باتت في مصر على الأبواب.
والمذهبية والطائفية هي أوراق رابحة في يد الأعداء وكل ما عليهم هو أن يقرروا ويحددوا الوقت ونحن بإذن الله جاهزون!
ومصر كالعراق والكويت كالبحرين وسورية كتونس وكل الدول العربية تعيش الوضع نفسه، فإن لم يكن هناك طائفية فهناك تطرف والحمد لله.
والحقيقة أنني لم أستغرب التحرشات الطائفية التي تحدث في الكويت هذه الأيام بين أغبياء الشيعة وسخفاء السنة، فالكويت اليوم تمر بالمرحلة نفسها التي تمر بها الدول العربية، ولولا نعمة الديموقراطية العلمانية (الكافرة)! لكنا أول الثائرين على بعضنا. ولكن الديموقراطية لوحدها ليست كافية، فالمشكلة تكمن في ثقافة الشعب وأقصد هنا طريقة تفكيره، ونظرته للحياة، وقبوله لفكر شركائه في المجتمع ممن يختلف معهم، وربما يتمتع الجيل القديم بنوع من الحصانة لكونه ابن ثقافة الستينات والسبعينات، والتي يسودها النفس القومي ومحاربة الاستعمار، أما الجيل الحالي فهو ابن الجمعيات الإسلامية، والثقافة الدينية المكثفة، وجيل الحرب في أفغانستان، وبطولات بن لادن، و جيل الانتحاريين! وهي ثقافة لم تتكون في ليلة وضحاها، بل ساهمت في بنائها عوامل عدة، فبعد اجتياح الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، اجتهدت الأنظمة العربية في تجنيد الشباب المؤمن لتحرير أفغانستان من الشيوعيين، فقامت بدعم الحركات الإسلامية بشتى أنواعها، وسمحت لهم بإنشاء المعاهد والمدارس الدينية، وفتحت لهم المجال لجمع التبرعات من خلال الجمعيات خيرية، ومكنتهم من الإعلام، وسهلت وصولهم للجماهير المؤمنة من خلال المنابر في المساجد، فأصبحت المساجد مراكزاً للتجنيد، والجمعيات الخيرية مراكزاً للتمويل، ولكن أخطر ما قامت به هذه الأنظمة هو تسليمهم وزارات التربية والتعليم على طبق من ذهب، وهنا بدأ التفريخ، وبدأت تتشكل أجيال جديدة تتسم بسطحية التعليم، وبثقافة دينية متطرفة، لا تعترف بحق الآخر في الوجود، وتؤمن بالنقل ولو كان زوراً، ولا تؤمن بالعقل، وتؤمن بالموت وتكره الحياة، تعاني من تضخم الأنا والفوقية، ولا ترى الآخرين سوى كفرة، وإما أن يدفعوا الجزية، أو تستحل ديارهم!
انتهت الحرب الأفغانية وعاد المحاربون، ولكن الحفاوة لم تعد تلك الحفاوة القديمة، والمنح لم تعد تلك المنح الجزلة، كما لم يستطيعوا الاندماج في مجتمعاتهم الكافرة طبعاً! فعادوا لأفغانستان حيث الإسلام الحقيقي ودار الخلافة الإسلامية! و بدؤوا الحرب على الكافرين، ولسوء حظ الدول العربية أنها كانت على رأس الكافرين! في هذه الأثناء كان التطرف الشيعي يسير ولكن بخطى مدروسة ومدعومة من نظام ولاية الفقيه في إيران، فأسس له محاربين للذود عنه، ولكن بفلسفة عربية تقوم على محاربة إسرائيل، فجلب له الأنصار من لبنان ومن العراق والبحرين وسورية، وكسب تأييد شيعة الخليج قاطبة، خصوصاً أن مد التطرف السني يحاصرهم، وهكذا أصبحنا على برميل بارود ينتظر الانفجار!
والتطرف ليس خاصية إسلامية، فالشيوعيون كانوا سفاحين، والقوميون كانوا متسلطين، والبعثيون كانوا دكتاتوريين بامتياز، والتطرف قديم قدم الإنسان على الأرض، والأجهزة الأمنية لم تنشأ لمحاربة الأفكار المتطرفة، فالمسألة فكرية وثقافية بالدرجة الأولى، وتحتاج إلى جهود متضافرة تبدأ بها الجمعيات التي تدعي أنها خيرية، كما تحتاج إلى تدخل خطباء المساجد، وتفعيل وزارة الإعلام، والنشر الإلكتروني، وإعادة صياغة المناهج التربوية لكي تتعلم الأجيال القادمة قبح التطرف، وتعودهم على احترام عقائد الآخرين مهما كانت مختلفة، فالاختلاف سنة الحياة، وهي إرادة الله وحكمته «ولو شاء الله ما أشركوا»، «ولو شاء الله لجمعهم على الهدى»، «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» ولكن أكثر الناس لا يعقلون.
فهيد البصيري
كاتب كويتي
[email protected]