نادين البدير / للفن ثورة أيضاً

1 يناير 1970 11:10 ص
| نادين البدير |

لأن عدداً من الدخلاء ساهموا بتشويه الإنسان العربي على جميع المستويات، وعملوا جاهدين على شطب ذائقته الراقية بأسلوب يضمن إعجابه بهؤلاء الدخلاء والتصفيق لهم بحرارة من يصفق للعظماء كلما لمحهم بإحدى الطرقات الممتلئة بإعلانات عن الفن الجديد، ولأن عددا لا بأس به من الملحنين والشعراء والممثلين والمغنين والمؤلفين لم يفيقوا بعد ويكتشفوا أن الأنظمة تتساقط وأن نظامهم الفني المنحل سيتساقط بدوره، لا بد من ثورة مرادفة للثورة الشعبية.

خطط النظام السياسي تنعكس على كل خطوط الحياة، وهدم الذائقة الفنية للشعوب العربية كان جزءاً من تلك الخطط ومن عملية السيطرة وإحكام القبضة.. لن يتوقعوا بعدها من رجال (يحزمون وسطهم) مرددين أغنية مريعة الألفاظ.. لن يتوقع أحد أن يثور هؤلاء.. والمستمعون الذين يتمايلون على ذلك اللحن الخالي من اللحن، لم يعد لديهم تمييز بين الجميل والرديء. لن يتوقع أحد أن يثور المستمعون.

من سيثور؟

ومن يرجع العهد القديم؟

يثور أصحاب الذائقة الجديدة. أجيال لم تستسغ نكهة الحكم الرديء وتزوير الأموال والأوراق، وهي ذاتها لن تستسيغ سماع لحن التزوير وكلمات الفساد، في كل مكان، كلما أتى حديث عن الثورات العربية يحكى عنها سياسياً أما ثورة مصر فيعقب كل نقاش حديث صار ملازماً للحديث عن الثورة المصرية.. إذ يقول أحد الحاضرين : لو تعلمون كيف كانت مصر زمان ويدلي آخر : لو رأيتم مسارح مصر وأناقة مصر وفن مصر...

جمهور الطرب القديم لم يكن بحاجة لألوان. بالأبيض والأسود التقطت الكاميرا إنساناً ذكياً جداً فاهماً للفن، متأنقاً، مهتماً بصورته التي عكست صورة بلد في غاية الكمال، هل يعود ذلك الجمهور؟

كلنا نعلم كيف بدت فنون مصر وإن لم نعاصرها. ومثلما حدث كل شيء بسرعة مخيفة، إذ انهارت السينما فجأة، وانهار الغناء فجأة، وانهارت الأزياء فجأة قد يعود كل شيء فجأة أيضاً. مثلما سقط النظام فجأة.

فكيف سيغدو الفن؟

هل ستتم تصفية الدخلاء على الألحان والكلمات والسيناريوات؟

هل ستتم تصفية الأصوات المعالجة باستديوات صناعة الأذواق والتحكم بها؟

أو تتم تصفية الممثلين والممثلات الغرباء على كل شيء له علاقة بالفن والجمال؟

هل يعود جنون الفن وقداسته؟

على ذكر القداسة هناك مشهد مختلف تماماً.. فالغريب أن السعودية البلد الذي يصعب فيه التفكير الحر علانية، لم تصبها اللوثة الفنية في مجال الغناء عدا أصوات تدخل الساحة وتخرج منها سريعاً، لكن حدث أمر آخر. تعميم صوت واحد وفن منطقة واحدة على الجميع، فاختفت كل الأصوات القديمة واندثرت كل الألحان واللهجات الغربية والشرقية مقابل انتشار لحن وأشعار ولهجة منطقة واحدة وهي المنطقة الوسطى... وسيلة سياسية للسيطرة عبر تغييب ثقافات المناطق المختلفة وتغييرها وجعلها تسير بمنحى يختاره السياسي، فتنتشر ثقافته التي يريد لها الانتشار والتي تساهم بترسيخ وجوده.

الدراما غير موجودة. نجاحها منحسر بإنفاق الأموال لإنتاج أعمال درامية عربية. حتى أنه لا يمكننا القول بأن الدراما طمست لأنها لم تبدأ في الأصل.

السينما محرمة والفن محرم ورأي الدين السعودي بالتمثيل واضح منذ زمن، رغم ذلك عاش الغناء بأعجوبة مذهلة تدعمه أشعار عدد من الأمراء المهتمين بالطرب وعدد من الأصوات السعودية التي أذهلت الجميع بطبقاتها. لكن هذا النجاح والانتشار الذي بدأ منذ الستينات لم يشفع لدى أعداء الجمال كي يدعوا الفن وشأنه.. بل تمادوا بتنفير الناس منه على مدى سنوات، فما أن جاءت التسعينات حتى كانت كلمة فن مرتبطة بالنار. ولا أعلم متى سيتم العفو العام عن أشكال الفن واعتباره جزءا من الحضارة بدلا عن شكله المريع الحالي وسمعته التي تؤكد تخلف من أطلقها، يتابعه الفرد ويعرف بقرارة نفسه أن ما يفعله جزءاً من الشرك والكفر. لا يجرؤ على المجادلة أو الدفاع عن شكل من أشكال روحه، وباعتبار الفن سبيلاً لعلو الإنسان واتساع أفقه ونمو إبداعاته فلكم أن تتصوروا معاناة فرد في بلد يحرم فيه الفن.

كيف يسمو الإنسان؟ كيف يبدع دون لحن؟ إن كانت الطبيعة نفسها فنونا وأغاني، فكيف حرم هؤلاء مكونات الطبيعة باسم خالق الطبيعة؟

في أيام دراستي بإحدى المدارس المتشددة كانوا يقولون ان التصفيق حرام لأن به لحنا، كنت أصفق، ويقولون لي حرام وأصفق وينظرون إلي بلوم وأزيد التصفيق. ألا يستحق الفن الثورة لأجله وإعلانه رمزاً مقدساً؟





كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]