| ابتسام السيار |
كثيرا ما نسمع او نلفظ ان فلانة «رزة» باللهجة الخليجية وتعني باللغة العربية «المتميزة» خصوصا عند المرأة، وهي صفة تطلق على صاحبة الذوق الرفيع، التي تتميز منذ نعومة اظافرها بالاناقة، واعتادت على شراء كل شيء اصلي من الماركات العالمية من ملابس وشنط، وايضا تتميز بطولها وجمالها وعطرها وسيارتها الفارهة، كما يقال «بنت فلوس ومن عائلة مرموقة»، اي انها تهتم ان تكون متميزة وتنفرد بما تملكه عن بقية المحيطين بها، فما يلفت نظرنا فيها المظهر وليس الجوهر «ننسى العقل والاخلاق»، ونذكر ما تراه العين فقط ننسى ان تقدير الغير من خلال افكاره وطموحاته وعلمه وشخصيته القوية، ان النوع الاول كما ذكرته «الرزة»، هي التي تتربى على هذا الشيء منذ الطفولة، وتشب وتترعرع في هذه البيئة التي تهتم وتشتري الماركات العالمية المعروفة، ولي بعض الملاحظات على هذا النوع من الناس، حيث إن الأهل يربون أبناءهم على شراء ولبس هذه الماركات، ولكن المشكلة تكمن عندما يكبر الأبناء وتتغير ظروفهم المادية والحياتية، ولا يستطيعون شراء هذه الأشياء كما كان يشتريها لهم الأهل في الصغر، فتحدث هنا بعض المشاكل النفسية مع الذات وهذا ما يحدث مع البعض...
اما الصنف الثاني «المرتزة» وهي التي تحاول جاهدة ان تقلد «الرزة»، اي التقليد الاعمى، فتتجرد من شخصيتها وتصبح دمية تتحرك باحساس التقليد... فمثلا هناك الكثير من الفتيات خصوصا الموظفة ذات الدخل المتوسط تحاول ان تقترض مبلغا من البنك، حتى تستطيع تقليد غيرها لكي تتخلص من عقدة النقص وتثق بنفسها، انها تستطيع ان تقتني ما يملكه الاخرون فتبدأ في الادخار من راتبها او تلجأ للسرقة او العلاقات المحرمة للحصول على المال، الذي يمكنها من الشراء بصفة مستمرة ومجاراتهم فتشغل نفسها بمراقبة الغير، ويبدأ هنا هوس شراء الماركة من اجل المنافسة، وليس لارضاء النفس فكل واحدة منهن تريد ان تلفت نظر صديقاتها بانها تلبس ماركة معروفة، جاهدة ان تشتري هذه الاشياء ولو كانت على حساب اشياء اخرى اكثر اهمية... فالفتاة التي تلهث وراء اقتناء الماركات العالمية فتاة سطحية التفكير، خاوية الجوهر تهتم بالمظهر فقط، فالحياة ليست ماركات، ولكن للاسف ان مجتمعاتنا العربية بشكل عام والمجتمع الكويتي بشكل خاص... الكل يلجأ للمظاهر ظنا انها هي التي تجلب الاحترام فاللجوء الى الشكليات والمظاهر الاجتماعية المزيفة، وهذا لا يقتصر على النساء فقط بل الفتيات والرجال والشباب والكبير والصغير، وهذا مؤشر على اننا اصبحنا في عالم اكثر انفتاحا تلعب فيه العولمة دورا اكثر اهمية من الايام السابقة.
ان مراكز التسوق أصبحت اليوم تؤدي العديد من الوظائف الترفيهية، إضافةً إلى دورها الأساسي كأماكن لتسويق هذا النوع من البضائع، ومن العوامل المرتبطة بالمرأة- التي تدفعها لذلك الاستهلاك الترفي- تقليد النساء الأخريات، بغض النظر عن قناعتها بهذه السلع، فيكون اختيار السلعة ذات الماركة العالمية هنا ليس مبنياً على القناعة أو الاختيار الشخصي بل محاكاة لسيدة أخرى، ومن الدوافع الشخصية لشراء هذه السلع حالة التنافس مع النساء الأخريات، فيكون شراء هذه السلع دافعه الغيرة ومحاولة مجاراة هؤلاء النساء، مهما كانت التكلفة أو الخسارة المترتبة على ذلك السلوك الاستهلاكي، ومنها الإعجاب الشخصي بسيدة أخرى سواءً كانت من السيدات المحيطات بها في بيئتها الشخصية، أو من النساء الشهيرات اللاتي اقتنين هذه السلعة، وشاهدتهن يرتدينها أو يستخدمنها، وقد يكون ذلك لهوس في اقتناء كل ما هو جديد ومعروض في الأسواق من الماركات المشهورة بغض النظر عن الحاجة الفعلية، لهذه البضائع أو السلع، او سعي الزوجات الى تفريغ جيوب ازواجهن لاعتبارات تتعلق بخوف بعضهن من ان جمعه للمال، قد يجعله يفكر بالزواج الثاني او السفر الى الخارج، وهذا التصرف من وجهة نظر الزوجة ليس مرضيا، بل هو تكتيك لحماية نفسها من غلو الزوج والتفكير في الزواج باخرى.
إن حب الظهور والتميز بمظهر لا يعكس الواقع الصحيح للفرد، قد يعترض الإنسان بعض المعوقات التي تقف نحو إشباع رغباته لعوامل عديدة، منها الشخصية أو المادية أو الاجتماعية وهنا يأتي مدى قدرة الإنسان الطبيعي على التكيف مع هذه الظروف، وتحقيق التوافق المطلوب لتجاوز الآثار المترتبة على ذلك، إلا أن البعض قد يصاب بمرض نفسي لا يستطيع التكيف فيصاب بالإحباط، ونتيجة لقلة الوعي وثقافة المجتمع التي أصبحت تركز على المظاهر بشكل كبير يبدأ تفكيره في البحث عن حلول موقتة، وتعتبر حيلاً دفاعية حتى يظهر بالشكل الذي يتمناه فيظهر مثلا مظهر الرجل الغني وهو فقير وبذلك لن يحقق الرضا المطلوب، لأن سعادته موقتة وسيعيش حالة من التوتر والاضطراب، لأنه لا يعيش واقعاً حقيقياً مشبعاً بل هو يعيش حالة من خداع النفس، ان تقليد الغير او التباهي بالمظاهر بؤرة اهتمام الكثير من الناس سواء الشباب او الفتيات... ولهذه الظاهرة بالتأكيد أسباب عديدة وعميقة، لا أنكر أن لكل إنسان الرغبة في التفرد والتميز بما يملكه عن بقية المحيطين به وهذا سلوك طبيعي، ولكن يجب أن تحدد هذه الرغبة بمراقبة أنفسنا والحرص على عدم تحولها إلى هوس وإذا حدث هذا فمن الأكيد أن الشخص يعاني من مشكلات نفسية، ولمعالجة هذا السلوك اقترح أهمية تعويد الأبناء على أدب التقليد، وأهمها تقليد الأمور الإيجابية مثل الأخلاق الحميدة والعلم النافع، والتخلص من عقدة النقص أو الشعور بها، باعتبار أن الثقة بالنفس من عوامل النجاح في الحياة، وأن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد، وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الفشل فمن عرف نفسه لا يضره ما يقوله الناس عنه.
[email protected]