إشراقات النقد (2من2) / ضياع لذة الأمل بين قصيدة الماضي والحاضر ... عند الشاعر خالد الشايجي

1 يناير 1970 08:47 ص
| سعاد العنزي |

... انتقل الشاعر خالد الشايجي من جمال الطبيعة إلى جمال المرأة والحب، فيعلن في آخر القصيدة:

مـعــهـا سـتـعـشـق كـل مـا

تـهـــوىَ ومـا فـيـــه يَــسُــــرّ**

حتى المطـر... بل والـعــوا

صـف بالـرعــود وبالخـطـــرْ

سـيـكــون أجـمـل مـلــتـقَىَ

إن كان في وقـت الـمـطــــرْ

مـعـتـذرْ الـقـدرْ مـاسـتـعـر مفر

ولطالـما كـنـتِ الــوطــرْ

ولـســـوف أبـقـى مثـلَ ظـلِّـ

لـكِ لا يــســاورني الحــــذرْ

فـلـقـد رأيـتـكِ بـهجـةَ الـ

حــــب الــذي لا يـنــد ثـــرْ

هذه القصيدة تدعونا لمساءلة النص حول مفهوم المطر، الذي يحيط به الكثير من المفاتيح الدلالية، أولاها: إن النص الشعري ينتسب للمدرسة الرومانسية بكل عناصرها من حيث الالتحام مع الطبيعة، فالشاعر يعكس تجربته الذاتية على الطبيعة، إذ يكون المطر الوابل، والبهجة التي تعم الكون معادلا موضوعيا لحالة الفرح والسرور التي يعيشها الشاعر في تلك اللحظة الزمانية التي شهدت أحداثا من الحب والوئام والتوافق مع الكون، وبالتالي ستكون صورة المطر في النص تناسقت وصورة المطر في الذاكرة الجماعية للأمة العربية والإسلامية من إمارات الخير الوفير الذي يتنبأ به بنزول المطر، وكذلك تكتسب القصيدة دلالة بوجه مخالف لقصيدة «أنشودة المطر» للسياب التي حيكت في ظروف نفسية مغايرة، فهي كما تقول الباحثة عطاف سالم حول فكرة المطر في شعر السياب:

«أجد أن السياب يهرب من انفعالاته التي أرهقت بنيته الضئيلة، وروحه المضطربة، وقلبه المتوهج بكم النفي والغربة والوحدة والحرمان والاضطهاد اللامنطقي، وعبودية المكان والزمان، والموت الفاجع في والديه، ومرضه من بعد... يهرب من هذه الانفعالات المحمومة التي تعتصره إلى الرمز أو الأسطورة إلى المطر... إلى العراق.

وقد يعني المطر أو العراق عنده أشياء عدّة، فهو يتعامل مع لفظة المطر خاصة تعاملاً مختلفاً؛ إذ أوضحت بعض قصائده أنه كان يرى فيه الفكرة السائدة قديماً من أنه أصل الحياة، بينما نجده في قصائد أخرى يحمّله معنى الثورة على القهر الاجتماعي والسياسي، وربط بين المطر وجوع العراق الدائم، في حين نجده مرة ثالثة يعدّه صنواً للدم، كذلك لانعدم أن نجده في قصائد أخرى رمزاً للبعث والحياة، وقد يكون حاملاً للنقيضين: الموت والحياة. لكن ترانيم العراق والمطر بالإضافة إلى أهميتهما في حياته وارتباطه بهما كانتا كالقناع الذي يتوارى خلفه.

لقد ارتفع عن معناهما السطحي الظاهر إلى ألفاظ سحرية دالة... دافقة في شعره، حيّة، تجسّم لنا الإنسان، والحياة، والصراع، والحبّ، والفشل، ومشاعر أخرى مختلطة» (1)

ومن هذا المنظور سنجد دلالة كلمة المطر توازي مفهوم الاسقرار والرخاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي المحيط بمنشئ النص، الذي لا يعيش مفهوم السعادة إلا في إطار إمكانية تحققها في فضاء عربي أكبر.

أما الالتفات للنص الثاني للدكتور خالد الشايجي وهو «أغراب»، فإن فيه تحول فكري كبير للشاعر حيث الفضاء الذي تسوده

إمارات السعادة والهناء انقلب إلى فضاء مليء بالاغتراب، يبدأه بقوله:

صـدح الـلـيـل بـأنـغـام الظــــلام

وتـغــنى بـهـمــــــوم المـســـتهــامْ

وسـتـار الـلـيـل كم حـيـكـــت به

خلف ذاك الستر ِأحداث جسامْ

أيـهـا الـلـيـل تُـرى كم مــدنـف

وجـد الأحـلام في المـوت الزؤمْ

ُأمـنـيـات الحـــــر والـغـايـاتُ أن

يـغـصـبَ الـعـزةَ غـصـبـاً والسـلامْ

فالمشهد يسوده لون الظلام، وغناؤه غناء المهموم المدنف جراء تلك الأحداث الخطيرة التي تحدث وتحاك في ليل لا يعلم خوافيها قائل النص. ومن بعدها ينتقل النص كما هو سابقه من المشهد العام إلى الخاص، ويوضح بأن كل مصاب يهون إلا من ذاق صبابة الوطن الغالي، وإن الأحرار عاشوا أغرابا في هذا الزمن:

وترى الأحرار أغرابا به

خافق كل وعي لا تنام

موطني في كل نجم موطئ

منتهاه حيثما يجري الغمام

من الأبيات السابقة، وما بعدها، تتضح دلالة العنوان المباشرة في أغراب، وعلى وجه التنكير جاءت، ليوضح مجموعة من البشر الذين غدوا أغرابا ونكرات في هذا المجتمع الذي ساده الظلام، فحدث الصراع الأخلاقي والفكري في نفس قائل النص بين فرقتين وطائفتين. الأولى: هي مجموعة الأشخاص (أغراب)، الذين يدافعون عن أخلاقيات ومبادئ وقيم وطنية أصبحت غريبة عن أفراد المجتمع الذين سودوا مصالحهم الشخصية على الصالح العام، وساد الظلام بوجهة نظر المدافعين عن تلك المنظومة الأخلاقية التي بغيابها أصبحوا أغرابا، فلغة العلم والمنطق ابتعدت عن هذا الموطن، الذي يشكل ذات الشاعر ولم ينفصل عنه بقوله وطني ولكنه انفصل كليا عن مجموعة من البشر غيبوا صورة الوطن الحقيقية، واختطفوا آمال الأحرار في بناء وطن حقيقي يباهي به المواطن الحر بقية الأوطان.

الثانية: الفرقة الثانية هم مجموعة الحساد، الذين تنامت الأحقاد في قلوبهم والصراعات تفاقمت لدرجة التقسم لفرق، ومن بينهم من يغذي الواقع بالوهم، ويفتح للغو مدارا لغويا يسود

الثقافة المجتمعية وبالتالي غياب لغة العقل والمنطق، والأمة على كثرتها لا تعادل شيئا يذكر من بين الأمم والحضارات، فالشاعر يكثف الحال الحزين التي وصلت عليه الأمة العربية والكويت تحديدا بقوله:

مـوطني في كل نجـــــــم ٍمـوطئٌ

مـنـتـهـاه حـيـثـمـا يجـــري الـغـمــامْ

كـيـف لـلـحـاقــد يـسـعى فـوقه

وشــــرارُ الخــلـق والـنـاس نـيـامْ

يـغـــرفُ الـنـعـمــاء من جــنـاتـه

وحـيـاةُ الـنـاس ســغـْبٌ وحـطامْ

في زمـان أصـبــح الـمــرءُ يـرَىَ

صـادقَ الأفـعـال مكذوبَ الـذمـامْ

يجــــهـد المجـــــــرمُ فـيـمـا يـبـتـغي

والـورى يجـــهـد في لـغـــو الكــلامْ

وعــــــداواةٌ مـشـــت مابـيـنـهــم

- دون أسبابٍ- وحـقدٌ وخصامْ

ســـيـدٌ يـبـطـش في مَـن سـادهم

بـين ظهـــرانـيـهـمُ قـابـيلُ قـامْ

من هذا المنطلق نرى النصين السابقين للدكتور خالد الشايجي كانا وليدا الظروف المحيطة، التي عبر عنها بنفس شاعر ملتحم مع الوطن الكويت والوطن العربي الأكبر، ولعل النص الأول فيه شيء من الراحة والدعة التي احاطت بالشاعر، فاستطاع الانصراف لشأنه الخاص في التمتع بالطبيعة، والتغني للحب بلغة جميلة لا تقل عن لغة الحب بهجة واشراقا وسعادة، ومن الجماليات الشعرية التي انبثفت في القصيدة الأولى هو أن القافية محركة (بالضم)، مما توافق و فكرة النص حيث الحركة في أرجاء الطبيعة والتمتع بأرجاء الكون. بينما في النص الآخر أتت القافية مسكنة، فعكست حالة السكون التي جمدت حركة البلاد نحو التطور والتقدم، ولتتزامن وحالة الغربة والسجن النفسي الذي يعيشه الحر في بلده المستضام.

لذا فإنا نرى الدكتور خالد الشايجي روحا عربية أصيلة بكل ما تحمل هذه المفردة من دلالات حيوية ومتفردة بحب الوطن الكويت، وحب الأمة العربية، فلا تخالط نفسه الأبية موجات الفرح والسعادة إلا اذا كان هذا الوطن مستقرا وآمنا ومتطورا، فمشروعه الشعري مشروع ثقافي تقدمي، ولا يصل إلى ذروته إلا بوصول الوطن إلى شاطئ الأمان.



* ناقدة وكاتبة كويتية

(1) «أنشودة المطر» للسياب دراسة ونقد وتحليل/ عطاف سالم 15/3/1424هـ

بحث علمي مقدم على حلقات

[email protected]