د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / التخبيص الاستراتيجي

يعتقد كثيرون أن اقتناء التكنولوجيا وشراءها واستيرادها حضارة وتطوراً، فإذا استخدم تلك الأجهزة في مؤسسته وجعلها نظاماً معمولاً به فقد أصبح في مصاف الدول المتقدمة، هكذا هم يعتقدون، وما علموا أن التكنولوجيا كمصطلح لا يطلق على تلك المخرجات التي يمكن شراؤها، بل يطلق على المعرفة (Kno How) التي تكمن خلف تلك المنتجات والأفكار التي يحولها البشر إلى أجهزة ومعدات وأنظمة إدارية.

كما يعتقد كثير من الناس أن إضافة كلمة (استراتيجية) لأي مصطلح إنجازاً، فما عليهم إلا إلحاق تلك الكلمة السحرية خلف كل المصطلحات التي يعرفون ليظهروا أمام الآخرين أنهم يتحدثون وفق آخر مستجدات العصر من تقنيات إدارية تتجاوز إطار الزمن الحاضر، وما علم أولئك أن المسألة تتجاوز المصطلحات إلى المفاهيم الحقيقية التي تكمن خلفها.

المسألة ليست أطراً نظرية يقوم بها مستشارون يقتاتون على أعمال تتلخص بعمليات قص ولزق، كما يحدث في بعض المؤسسات والهيئات والوزارات، المسألة أكبر من ذلك بكثير، فهي تتجاوز إطار الزمان والمكان، كما تتجاوز نماذج يقوم بترجمتها بعضهم ويوهمونا بأننا سنكون أفضل ما نكون لو اهتدينا بهداها، المسألة تقوم على أساس من التفكير الاستراتيجي الإبداعي، ذلك النمط من التفكير الذي لا يعترف بالواقع كأساس، بل يتعداه إلى آفاقٍ أوسع وأرحب.

إن تطوير آلية التفكير هي محور عملية التخطيط الاستراتيجي، فإذا تعطلت تلك الآلية فما نقوم به أقرب إلى (التخبيص الاستراتيجي) منه إلى (التخطيط الاستراتيجي)، هي هكذا بكل بساطة، فلا نخدع أنفسنا، ولا نخادع ذواتنا بامتلاكنا لاستراتيجية خمسية أو عشرية أو عشرينية، لنتفاخر بها أمام الآخرين، ونرفع بها عقيرتنا، وكأننا اخترعنا شيئا جديداً!

التقليد لا إبداع فيه، والمحاكاة تعطل ملكة الخيال، ويجعلنا أسرى لمن نظن بأنهم الأفضل والأحسن، وبالتالي فإننا نحتاج أن نراجع ما نقوم به من (تخبيصات استراتيجية) تضر أكثر مما تنفع، وتعطل أكثر مما تساعد في عملية التنمية التي ننشدها، وعلينا أن نثق في أبناء الوطن وقدراتهم، وأن نعطيهم الفرصة تلو الفرصة، فلدينا كثير من المبدعين والمخلصين الذين لو سلمناهم دفة السفينة لقادوها إلى بر الأمان، كل ما علينا هو أن نغير طريقة تفكيرنا تجاههم، وأن نزرع الأمل في نفوسهم، فهم أولى بتطوير بلدهم من الغريب الذي لا يعرف طبيعة مجتمعنا ومكوناته.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

Twitter : @Dralsuraikh