سميت منطقة سكنية نسبة لها
حديقة سلوى أول حديقة حيوان في الكويت والخليج العربي أنشأها الشيخ جابر العبدالله الجابر سنة 1954
1 يناير 1970
08:17 م
إعداد : سعود الديحاني
تصحبنا اليوم الشيخة منى الجابر الصباح في كتابها الذي وثق تاريخ حديقة السلوى والتي انشأها والدها الشيخ جابر العبدالله الجابر الصباح سنة 1954 فكانت واحة وسط الصحراء ومعلما من معالم الكويت ومفخرة لها في ذلك الوقت نتعرف من خلال الكتاب على كل شيء يخص حديقة سلوى ومسيرتها:
كان انشاء حديقة سلوى للحيوان على ارض الكويت في فترة يصعب على الانسان فضلا على الحيوان، ان يحتمل قسوتها وجفافها، وان يجد فيها ترطيبا لأجوائها بمثل الخضرة التي نراها الآن تمتد في الطرقات، وتزين حدائق المنازل، ما جعل الحديقة مزارا لكل قادم الى الكويت، ومقصدا للمقيمين فيها، يجدون في ظلالها والتمتع بمشاهدة الحيوان والطير فيها الراحة من العناء.
وكان انشأها الشيخ جابر العبدالله الجابر الصباح بجهد انفقه من ماله ووقته وتفكيره وعلاقاته ليجعل منها احدى حدائق الحيوان المميزة التي اصبحت طوال اكثر من عقد من الزمن معلما من معالم الكويت ومشهدا من مشاهد الحضارة فيها واهدي ما كان فيها من حيوانات لاثراء حديقة العمرية التي انشأتها الدولة.
البداية
كان الشيخ جابر العبدالله الجابرالصباح منذ صغره شغوفا بالزراعة وتربية الحيوانات متأثرا في ذلك بوالده الشيخ عبدالله الجابر الصباح الذي كان يحرص على زراعة اراضيه وتشجيرها على الرغم من قلة الماء وعدم صلاحية ارض الكويت للزراعة، والذي كان يعمل على ان يغرس وينمي في نفس ابنه حب الطبيعة والتواصل معها.
وفي العام 1944 سافر الى مصر للدراسة ضمن الطلبة المبعوثين في ثاني بعثة دراسية ارسلتها الكويت الى مصر وكان اصغر المبعوثين سنا وفي مصر التحق بمدرسة الاورمان النموذجية القريبة من حديقة الحيوان بالجيزة وكانت اكبر الحدائق واشهرها في الشرق الاوسط.
وبسبب ما كان عنده من ميل وشغف بالحيوانات وانواعها المختلفة كان قربه من الحديقة فرصة لزيارتها في عطلة كل اسبوع ومشاهدة الحيوانات وتأمل حركاتها ومعرفة طباعها وكان دائم السؤال عن تفاصيل تربية تلك الحيوانات والعناية بها، فاعتاد القائمون على رعاية الحيوانات زيارته، ووجوده الدائم، ورغبته في معرفة الكثير عنها، ولكثرة ما عرفه عنها، وما رآه من سعادة المترددين على الحديقة من الرجال والنساء بقضاء الاوقات فيها فقد عزم في نفسه على ان يأتي الى الكويت بمثل تلك الحيوانات التي يراها وببعض من يقومون في حديقة مصر عليها.
وفي العام 1954 عاد الشيخ جابر العبدالله الى الكويت بعد ان اتم دراسته التي استكملها في بريطانيا وبدأ في تنفيذ حلمه، وتحقيق امنيته فتملك مساحة من الارض الفضاء في منطقة خالية كانت تقع جنوب منطقة الرميثية في ذلك الوقت والتي لم يكن بها آنذاك إلا بعض شجيرات وعدد قليل جدا من المنازل.
ولم يكن بالمنطقة التي اختارها ماء او كهرباء ولا طرق معبدة وفي مثل هذه الظروف الصعبة بدأ الشيخ جابر العبدالله بتنفيذ خطته لتخضير ارضه بزراعة الاشجار، وكانت المياه تنقل في صهاريج محمولة على السيارات (التناكر)، فكان يبذل بذلك جهودا كبيرة ونفقات كثيرة لتوفير بيئة طبيعية صالحة لتربية الحيوانات.
وبعد ان نجح في تخضير الارض اخذ في بناء اقفاص للحيوانات حسب خطة وضعها لجلب الحيوانات من الخارج، واختار للحديقة اسم «سلوى» نسبة الى التسلية والترفيه، ليجد فيها ابناء الكويت راحة من التعب وخلاصا من الملل، ونظرا لأن المنطقة غير معروفة ولم يكن لها اسم محدد في ذلك الوقت، فقد بنى للحديقة بوابة على الطريق العام كتب عليها (حديقة سلوى).
كان الشيخ جابر العبدالله يعمل وفق خطة مدروسة قامت في ذهنه لتحقيق ما عزم عليه من انشاء حديقة حيوان بالكويت واستكمالا لخطواته في ذلك قام في اوائل العام 1954 بزيارة حديقة الحيوان في «بومبي» بالتنسيق مع السيد عيسى بن الشيخ يوسف القناعي الذي قام بالاتفاق مع حديقة حيوان بومبي على شراء بعض الحيوانات، وفي زيارته للحديقة قام باختيار ما يريد منها، وتم شحن الحيوانات الى الكويت عن طريق البحر يصطحبها مربوها الذين حرص على استقدامهم معها الي الكويت للعمل عنده ليضمن ان تلقى الرعاية الكاملة من المختصين الهنود القائمين عليها.
اول
وقد وافقت شركة النفط على رسو السفينة المحملة بالحيوانات في الرصيف الجنوبي من مدينة الاحمدي لتسهيل عملية انزال الحيوانات بالرغم من ان هذا الرصيف مخصص للسفن المحملة بالنفط التابعة للشركة فقط.
وقد شهد انزال اول دفعة من الحيوانات تصل من الهند العام 1954 في ميناء الاحمدي مدير عام شركة النفط في ذلك الوقت السيد جوردن والسيد هارولد ديكسون وزوجته السيدة فايوليت ام سعود ومجموعة من الاصدقاء منهم السيد محمد قبازرد الذي حرص على تصوير عملية الانزال سينمائيا لكونها من المشاهد النادرة في الكويت في ذلك الوقت.
وقام كذلك باستيراد الحيوانات من دول افريقيا، من كينيا ومن الصومال عن طريق رجل اسمه احمد حجازي رتب عملية الاختيار وعملية نقل الحيوانات الى الكويت، ومن القاهرة اشترى الاسود والنمور من حديقة حيوان الجيزة وامر بنقلها بالجو مع مربيها الذين كانوا يشرفون على رعايتها في حديقة الحيوان بالجيزة حتى يرعوا الاسود والنمور التي جلبها الى حديقة سلوى.
ضمت الحديقة اسطبلا من الخيول العربية الاصيلة واكثر من 55 نوعا من الحيوانات المختلفة والنادرة، منها الاسود والنمور والزرافات والدببة والغزلان والوعول وكلاب الصيد والابقار والاغنام والقردة والضباع والارانب والسلاحف الى جانب الطيور بأنواعها (كالصقور والنسور والحمام والببغاوات والنعام والبط والاوز والبجع والفلامنجو والحباري والقطا والطاووس)... وغيرها.
وكان من الصعب توفير المناخ المناسب لبعض الحيوانات التي جلبت من المناطق الباردة مثل الدببة التي كانت تعيش في الهملايا، فلجأ الشيخ جابر في السنة الاولى من وصولها الى شراء ألواح ثلج من ماكينة الغانم ليهيئ لها المناخ المناسب، وفي السنة الثانية اكتفى بجلب الماء البارد الى ان تعودت الدببة على الجو الذي تعيش فيه بالكويت، فأصبح الامر لا يستدعي توفير مناخ بارد. كذلك حرص على توفير الرعاية اللازمة للأسود والنمور، بالاستعانة بخبرات مربيها في القاهرة فاستقدم الى الكويت مدربها مع اولاده الذين كانت لهم خبرة واسعة في تربية الاسود والنمور وترويضها، وهذا المدرب هو نفسه الذي كان يزوره في الحديقة الشيخ جابر عندما كان طالبا في مصر يتردد على حديقة الحيوان، ويكثر من الاسئلة عن الحيوانات التي يشاهدها في الحديقة، وقد ذكر المدرب بعد حضوره الى الكويت انه لم يخطر بباله ان الطالب الصغير الذي يسأله خلال زياراته للحديقة في مصر سوف يستدعيه ليكون مسؤولا عن الاسود والنمور في حديقته.
ولم تكن عناية الشيخ جابر بالحيوانات قاصرة على توفير الجو المناسب والمدربين الاكفاء لرعايتها والطعام اللازم لها، بل كان يعتني بها بنفسه ويشرف على تطبيبها ويطعمها يوميا، وكان يحس بإخلاص الحيوانات، بعضها لبعض، وله ايضا، ومن ملاحظاته اليومية رصد الكثير من شواهد هذا الاخلاص فقد ذكر انه كان لديه من النعام ذكر وانثى، وحين ماتت الانثى امتنع الذكر عن الطعام، فأمر الشيخ جابر بنقل انثى النعام الى ثانوية الشويخ لتحنيطها، ثم طلب وضعها محنطة بجوار الذكر ليدفعه الى الاكل، فبدأ يأكل ولكنه حين ادرك ان الانثى غير طبيعية عاد الى الاضراب عن الاكل حتى مات.
الوفاء
ويذكر الشيخ تجربة شهدها تمثل مدى وفاء الاسود لأصحابها فقد اهدي له شبلان صغيران لا يتجاوز عمر كل منهما شهرين، من رجل يدعى احمد حجازي كان يجلب له الحيوانات من افريقيا، وبعد سنتين حضر الرجل في زيارة للشيخ جابر الذي طلب منه حيوانات اخرى، فأراد الرجل ان يطمئن على الشبلين ويراهما، فقال له انهما صارا اسدين وخطر عليك ان تطلب الدخول عليهما في قفصهما، فقال الرجل ان الاسود كأولاده وسيعرفونه وانه سيثبت للشيخ جابر انها اوفى من الكلاب، وكان قد اطلق عليهما اسمي شكري وجمال نسبة الى جمال عبدالناصر وشكري القوتلي الزعيمين العربيين اللذين اقاما الوحدة بين مصر وسورية في ذلك الوقت، وكانت فرصة لتجمع الكثير من الزوار في الحديقة لمشاهدة هذا التحدي، حتى ان بعض مصوري الصحف حرصوا على التقاط الصور لهذا الحدث، وحرصا من الشيخ جابر على حياة هذا الرجل المغامر اعد بندقيته للدفاع عنه اذا ما حاول الاسدان افتراسه وكانت مفاجأة للجميع انه بمجرد ان دخل عليهما اخذا يشمانه مثل القطط الصغيرة والاعجب انه زاد في التحدي بأن صبغ يده بدم خروف، فبدأ الاسدان يلعقانه، وكان ذلك ما ادهش الجميع، ووثقت تلك الحادثة بالصور.
الضيوف
كانت حديقة سلوى معلما من المعالم المهمة في دولة الكويت يدعى لزيارتها ضيوف الدولة الرسميون كما يزورون غيرها من المعالم كشركة نفط الكويت، وثانوية الشويخ التي كانت اكبر مدرسة ثانوية في البلاد العربية، والتي صارت في ما بعد جامعة الكويت.وكان الشيخ جابر العبدالله يحرص على دعوة هؤلاء الضيوف الى مآدب للغداء او العشاء يقيمها على شرفهم في مبنى (فيلا) الاستقبال الرئيسي بالحديقة ويرافقهم في جولة داخلها لمشاهدة اقسامها ومرافقها والوقوف على نظامها.
ومن اشهر الضيوف الذين قاموا بزيارة الحديقة الامير علي خان نجل الاغا خان زعيم الطائفة الاسماعيلية، وبعض امراء المملكة العربية السعودية ومنهم الامير طلال بن عبدالعزيز والامير بدر بن عبدالعزيز والامير عبدالمحسن بن عبدالعزيز، وزارها رئيس اركان الجيش السوري في ذلك الوقت الفريق جمال فيصل، والوفود الاجنبية من رؤساء شركة النفط وضيوفهم.
وحرص على زيارة الحديقة كبار رجال الاسرة الحاكمة وامراؤها المتعاقبون فقد حرص على زيارتها كل من اصحاب السمو الشيخ صباح السالم الصباح والشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح والشيخ سعد العبدالله السالم الصباح والشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح.
ومن كبار رجال الاسرة الحاكمة كان يحرص على زيارتها الشيخ عبدالله الجابر الصباح والشيخ فهد السالم الصباح والشيخ عبدالله المبارك الصباح وغيرهم من ابناء الاسرة الذين كانوا يصحبون ضيوفهم لمشاهدة الحديقة وقضاء بعض الوقت بها.
لقيت حديقة سلوى تقديرا واعجابا من كثير من كبار الشخصيات، عبروا عنه بإهداء الشيخ جابر العبدالله بعض الحيوانات النادرة والاصيلة لتنضم الى حيوانات الحديقة.
ومن هذه الاهداءات القيمة حصان عربي اصيل اهدي اليه من امير الكويت صاحب السمو الشيخ عبدالله السالم الصباح (1950- 1965) وكان قد اهدي اليه من الملك فيصل الثاني ملك العراق آنذاك، وكان الشيخ جابر يعتز بهذا الحصان الذي عزز اسطبل الخيل في الحديقة. كذلك اهديت اليه فرس عربية اصيلة من صاحب السمو الملكي الامير طلال بن عبدالعزيز وكان يطلق عليها (الفرس الحمدانية) بجانب غيرها من الخيول العربية التي كانت تتميز بسلالاتها الاصيلة.
ومن الاهداءات التي وصلت الى الحديقة من سمو الامير طلال بن عبدالعزيز مجموعة من حيوان المها العربي النادر جدا في ذلك الوقت، وقد اهدى الشيخ جابر هذه المجموعة في ما بعد الى جمعية المحافظة على الحيوانات الفطرية بلندن وكان احد المؤسسين الذين شكلوا النواة الاساسية للقطيع العالمي للمها العربي، لوضعها في محميات لتتكاثر حماية لها من الانقراض.
وعندما قرر الشيخ جابر اغلاق حديقة سلوى اهدى جميع خيوله الى امير البحرين آنذاك صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (1961 - 2000) كما اهدى في خمسينات القرن الماضي الى حديقة بغداد انواعا مختلفة من الحيوانات مساهمة في استكمالها، وقد نسق واشرف على عملية نقل تلك الحيوانات الى العراق الشيخ سالم صباح المحمد الصباح.
المنطقة
كان الشيخ جابر موفقا وملهما عندما سمى الحديقة التي انشأها «حديقة سلوى» فهو اسم يتوافق مع غايته وهدفه النبيل الذي من اجله انشأ الحديقة، فقد انشأها في ارض فضاء كانت تقع جنوب منطقة الرميثية لتكون بما فيها من اشجار ونبات وحيوان وطير، متعة للنظر وسكينة وتسلية للنفس وتفريجا لها من كل ضيق وهم، وقد ظلت كذلك طوال ما يزيد على عشر سنوات.
ومع المد السكاني، وتقسيم المناطق الحديثة في الكويت سميت المنطقة التي كانت بها الحديقة وما حولها وقريبا منها منطقة سلوى نسبة الى حديقة سلوى التي عرفت واشتهرت بها تلك المنطقة النائية في الخمسينات من القرن العشرين والتي كانت مبعث الترفيه والتسلية.
وربما كان من ارادة الله وترضية لنفس الشيخ جابر ان تحمل المنطقة السكنية اسم حديقته التي عز عليه اغلاقها فيكون بقاء الاسم تذكيرا بما قدم لأبناء وطنه وجزاء له.
مجانا
بالرغم من ان حدائق الحيوان في مختلف الدول لا يدخلها الزائر إلا بدفع رسوم محددة ويعلم الشيخ جابر العبدالله ذلك، ويعلم انه انفق الكثير حتى تم انشاء حديقة سلوى، واستمر انفاقه على اطعام الحيوانات ودفع رواتب العاملين وصيانة مرافقها واشجارها فإنه جعل زيارتها مجانا، لأنها لم تكن مشروعا تجاريا يريد من ورائه الربح، وانما كانت تحقيق حلم عاشق للطبيعة اراد ان يجعل من الحلم حقيقة وان يشرك الجميع في التمتع به، ولذلك فتح ابوابها ليتروح الناس بزيارتها، ونظم الزيارات فخصص يوم الخميس من كل اسبوع لزيارة طلبة المدارس، ويوم الجمعة لزيارة العائلات، فكانت ابوابها مفتوحة للجميع مجانا.
وحرصا من الشيخ جابر على توفير النظام خلال تلك الزيارات فقد كلف سكرتيره الخاص السيد عبدالسلام ابراهيم العدساني باعداد بطاقات خاصة لليوم المخصص لطلبة المدارس واخرى لليوم المخصص لزيارة العائلات.
اغلاق
في العام 1965 وبعد مرور اكثر من عشر سنوات على انشاء حدقة سلوى، بدأ الشيخ جابر يفكر في اغلاق الحديقة بسبب المد السكاني الذي زحف الى المنطقة، ولقيام الحكومة بالاستعداد لإنشاء حديقة العمرية اول حديقة حكومية للحيوان في الكويت، فأهدى مجموعة من حيوانات حديقة سلوى الى حديقة العمرية لتكون نواة لإنشاء الحديقة.
وكان صعبا على الشيخ جابر ان تغلق الحديقة وان تكون بعيدة عنه حيواناته التي رعاها رعاية خاصة وتغيب عن ناظره حديقته التي رآها تكتمل وتكبر يوما بعد يوم، ولكنها سنة الحياة، وما من شيء له اول الا وله آخر.
وبعد ان تم انشاء حديقة العمرية في العام 1968 دعا السيد خالد العيسى الصالح وزير الاشغال آنذاك الشيخ جابر لزيارة الحديقة ومشاهدة الحيوانات التي اهداها اليها والاطمئنان على سلامتها والعناية بها في مقرها الجديد، وكان ذلك بحضور السيد سالم المناعي رئيس هيئة الزراعة والمشرف على حديقة الحيوان، ويمكن لمن يزور حديقة العمرية اليوم ان يرى في مدخلها توثيق اهداء الشيخ جابر لحيواناته.< p>< p>