«الراي» تقلب صفحاتها في الذكرى الـ 36 لاندلاعها

الحرب الأهلية اللبنانية... تعدّدت «الصواعق» و«الانفجار» واحد

1 يناير 1970 07:09 ص
| بيروت ـ من ريتا فرج |

تعددت العوامل الداخلية والإقليمية التي أدت إلى تفجير الحرب الأهلية في لبنان العام 1975. وإذا كان اغتيال الزعيم الصيداوي النائب معروف سعد شكل أول مؤشر إلى دورة العنف المستجدة بعد العام 1860، فإن حادث عين الرمانة الذي كشف الصدام المسيحي ـ الفلسطيني، لم يكن بدوره عاملاً عابراً. ثمة تحولات مفصلية شهدها العالم العربي بدءاً من العام 1970، وقد رأى البعض أن الوفاة الفجائية للزعيم جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، فتحت المجال للقضاء على الوجود الفلسطيني من البوابة اللبنانية ونوافذ أخرى.

وبصرف النظر عن الرهانات السياسية التي جعلت من لبنان مجالاً مفتوحاً لمحاربة المدّ الناصري منذ وفاة عبد الناصر واغتيال الملك فيصل في 25 مارس 1975، يعتبر الوجود الفلسطيني بمثابة الصاعق، ولهذا الوجود معارك طويلة مع الجيش اللبناني بدءاً بالعام 1973، لكن عجز المؤسسة السياسية عن اتخاذ قرار حاسم أدى إلى تصادم الأحزاب وفي مقدمها حزب الكتائب مع الفلسطينيين، مع العلم بأن «اتفاق القاهرة» الذي وقع يوم 3 نوفمبر العام 1969 أعطى شرعية للوجود السياسي والعسكري لـ «منظمة التحرير الفلسطينية»، ما جعل لبنان ساحة مفتوحة حتى وقع فريسة الاجتياح الاسرائيلي العام 1982.

الصدام المسلح بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية في 2 مايو 1973، على خلفية خطف بعض عناصر الجيش من جانب «الفدائيين» بدا كالجمر تحت الرماد. يومها، أصدرت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بياناً جاء فيه إن «وحدات من الجيش اللبناني معززة بالدبابات والمصفحات تحاصر منطقتي صبرا وشاتيلا». هذه العملية التي شنها الجيش استكملت بقصف سلاح الطيران بعض مخيمات اللاجئين في بيروت وضبيه (شمال) وتل الزعتر (شرق). ورغم الاتفاق بين منظمة التحرير والجيش على وقف النار، استمرت حال الكر والفر وسط تسريب معلومات عن تدخل خارجي. وفي 17 مايو 1973، وبعد تدخل الجامعة العربية تمّ توقيع «اتفاق ملكارت» الذي نصّ على بنود عدة من بينها: تأمين حماية المخيمات من القاطنين، أي الفلسطينيين غير المنضوين في فصائل المقاومة الفلسطينية، إخلاء المخيمات من السلاح المتوسط منه والثقيل، تجميد العمليات الدفاعية من الأراضي اللبنانية، تأكيد حق الشعب الفلسطيني في النضال لاسترداد أرضه. إلا أن التنظيمات الفلسطينية خرقت هذا الاتفاق وعززت حضورها وتسلحها في مختلف المناطق اللبنانية. وكان الصدام اللبناني ـ الفلسطيني الأكبر في 13 ابريل 1975، الشرارة الأولى للحرب الأهلية.

«اتفاق القاهرة» الذي أطلق يد «منظمة التحرير الفلسطينية» للعمل المسلح من لبنان بدعم من «الحركة الوطنية»، أقلق القادة المسيحيين وخصوصاً كميل شمعون، ريمون اده، وبيار الجميل. وخلال مرحلة 1969 ـ 1970، سعى الثلاثي الماروني إلى تقييد تجاوزات الفدائيين الفلسطينيين في موازاة الوقوف في وجه التيار الشهابي. دخول الأحزاب على خط الصراع كان سببه عدم الحسم بين الجيش اللبناني و«منظمة التحرير»، وكانت الكتائب اللبنانية و«الأحرار» في الخط الأمامي لما سمي «الجبهة اللبنانية».

في بيروت دارت رحى الحرب الأهلية، وبدأت تتنقل بين المدن والمناطق الجبلية. وضعت المتاريس وتوزع المقاتلون ذات اليمين وذات اليسار. وبناءً على هذه الثنائية، أنتجت الحرب معادلتين متناقضتين: الأولى تمثلت في «الجبهة اللبنانية» وضمت في صفوفها القادة المسيحيين وما سمي «اليمين المسيحي» والثانية ضمت «الحركة الوطنية» التي وضعت خلال الحرب برنامجاً اصلاحياً تحت عنوان «البديل الديموقراطي» اشتمل على نقاط عدة: إلغاء الطائفية السياسية، الإصلاح الديموقراطي للتمثيل الشعبي، إعادة تنظيم الجيش وحصر مهمته في الدفاع عن حدود لبنان واستقلاله الوطني والاضطلاع بمسؤوليته القومية حيال القضية الفلسطينية والقضايا العربية، ومنع إقحامه في قضايا الحكم والشؤون الداخلية للبلاد. ومع تصاعد قوة اليسار الداعم للقضية الفلسطينية، تخوفت «الجبهة اللبنانية» على امتيازاتها السياسية والتاريخية، فأعلنت رفضها المساس بالميثاق الوطني، ووافقت على إلغاء الطائفية السياسية شرط العلمنة، وطالبت بإلغاء «اتفاق القاهرة»، وهذا ما حدث فعلاً في يونيو 1987، فقد وقع الرئيس الأسبق أمين الجميّل على قانون يلغي الاتفاق مع «منظمة التحرير الفلسطينية». وكان البرلمان اللبناني وافق على قانون إلغاء الاتفاق في 21 مايو 1987 ووقعه في وقت لاحق رئيس الوزراء انذاك سليم الحص.

في 13 أبريل 1975، وقع حادث عين الرمانة في ضاحية بيروت الشرقية. يومها سقط أربعة وثلاثون قتيلاً غالبيتهم من الفلسطينيين، والقتلى هم ركاب حافلة كانوا عائدين من احتفال اقامته «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة» في جامعة بيروت العربية، إلى مخيم تل الزعتر. وفي التفاصيل التي ما زالت في أرشيف ذكريات الحرب، أنه خلال اجتياز الحافلة التي كانت تقل الفلسطينيين شارع بيار الجميل، أوقفها مسلحون من الكتائب قبل أن يقتل معظم ركابها. وقبل هذه المأساة، أطلقت سيارة فيها مسلحون النار على مصلين في كنيسة قريبة. المنظمات الفلسطينية وحزب «الكتائب» تبادلا روايات مختلفة، فقال الشيخ بيار الجميل إن هناك أيادي خارجية تريد زرع الفتنة بين اللبنانيين، في حين حمل ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» في رسالة بعث بها الى الملوك والرؤساء العرب، حزب «الكتائب» تبعات المجزرة ومما جاء فيها: «إن المجزرة الدموية التي نفذتها عصابات حزب «الكتائب» المسلحة ضد أبناء شعبنا الأبرياء والعزّل هي مؤامرة مكشوفة تقوم بها هذه العصابات بتنسيق وتوجيه من الامبريالية والصهيونية، في محاولة لخلق الفتنة وضرب الأخوة الفلسطينية ـ اللبنانية». وقد أيدت الأحزاب اليسارية والعروبية والناصرية موقف عرفات، وحملت حزب «الكتائب» مسؤولية المجزرة.



أزمة النظام وإسقاط «17 مايو»

يمثل حادث عين الرمانة حلقة من حلقات أزمة لبنان الممتدة منذ العام 1969، أي تاريخ توقيع «اتفاق القاهرة». ولم يكن العامل الفلسطيني الصاعق الوحيد الذي فجر تلك الأزمة، ولعل المعضلة الأولى تكمن في بنية النظام السياسي الطائفي، فمنذ بروتوكول 1864 حتى ميثاق 1943، شهد لبنان سلسلة متواصلة من التعرجات والانعطافات، تفاعلت مع تدخلات خارجية وأدت إلى تصاعد البورجوازية المسيحية المسماة «المارونية السياسية» على حساب الطوائف الأخرى، رغم الاتفاق بين السُنة والموارنة على تقاسم القرار والنفوذ.

النظام السياسي اللبناني إذا كان له الدور الأكثر فاعلية في تفجير الحرب. فتوزيع السلطة السياسية على أساس طائفي أدى إلى تطييف مؤسسات الدولة، وسمح بتوسيع الشرخ العمودي بين مكوِّنات المجتمع اللبناني، طائفياً، ومناطقياً، وطبقياً. وقبل أن يصل لبنان الى لحظة الزلزال الكبير العام 1975، برز اتجاهان: الأولى يدعو إلى «القومية اللبنانية» والآخر تبنى الايديولوجية العروبية. وهذا الافتراق ليس جديداً، ويمتد إلى حقبة إعلان «دولة لبنان الكبير» العام 1920. «الحركة الوطنية» مثلت أول دعاة إلغاء الطائفية السياسية، وفي المقلب الثاني تمسك اليمين المسيحي بالنظام بدعم من جهات عربية وإقليمية.

بعدما دخل لبنان أتون الحرب سعت دمشق في القمة العربية الثامنة المنعقدة في القاهرة في 25 أكتوبر 1976 إلى إيقاف حمام الدم عبر ايصال الياس سركيس، الشخصية المسيحية المعتدلة، إلى سدة رئاسة الجمهورية، وعبر دخول قوات الردع العربية لنزع السلاح. غير أن الرئيس سركيس ربط بين نزع سلاح «الجبهة اللبنانية» ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية. ومع تنامي قدرات «منظمة التحرير» بالتحالف مع دمشق إثر اتفاق «كامب ديفيد» العام 1978، جاء الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982 و«اتفاق 17 مايو« العام 1983 ليعقدا الأمور، ما دفع سورية عبر حلفائها في الداخل للضغط على الحكومة اللبنانية لاسقاطه. وبالفعل تم إلغاء الاتفاق في 5 مارس 1984 تمهيداً لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني في لوزان في سويسرا في 12 من الشهر نفسه.



كوارث الحرب

من أخطر النتائج التي ترتبت على الحرب الأهلية التهجير والفرز الديني والمناطقي. فخلال ما سمي «حرب السنتين» ( 1975 - 1976) نزح نحو 589680 شخصاً من 189 بلدة وقرية مسيحية وإسلامية، أي ما يعادل 21.8 في المئة من مجموع السكان. وفي العام 1977 وبعد اغتيال كمال جنبلاط، هُجر 20 ألف مسيحي من قرى الشوف، وبين 1977 و 1978 نزح نحو 75 ألف شخص من جنوب لبنان بسبب الغارات الإسرائيلية، وإثر قصف الجيش السوري لبيروت الشرقية العام 1978 نزح نحو 250 ألف شخص. أما الاجتياح الإسرائيلي العام 1982 فأدى الى نزوح 400 ألف شخص، وتسبب انسحاب الجيش الإسرائيلي (1983 - 1984) من جزء من الأراضي اللبنانية باندلاع «حرب الجبل» التي شردت 314168 شخصاً. كما أدت تداعياتها إلى تهجير أكثر من 150 ألف شخص من بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، ونحو 40 ألف شخص من منطقة الشّحّار الغربي.

عمليات التهجير طاولت بين 1975 و1987 ثلثَي سكان لبنان، وقد اضطر عشرات الآلاف منهم إلى النزوح غير مرة من أمكنة وجودهم. وبلغ عدد ضحايا الحرب من العام 1975 حتى 9/3/1992 نحو 144 الفاً و240 قتيلاً إضافة إلى 791 الفاً و605 جرحى و71 الفاً و514 مفقوداً.

راوحت تقديرات الأضرار المادية الناتجة من الحرب بين 25 ملياراً و30 مليار دولار أميركي. ويذكر سمير مقدسي في دراسته «دروس لبنان، اقتصاديات الحرب والتنمية» إن خسائر اجمالي الناتج المحلي المتراكمة راوحت خلال أعوام الحرب بين تسعة مليارات دولار على الأقلّ بناءً على فرضيّة 2 في المئة كمتوسّط للنموّ السنوي و31 مليار دولار بناءً على فرضيّة 4 في المئة و36 مليار دولار وفق فرضيّة 6 في المئة. وإلى جانب الانهيار الاقتصادي سرق من المكتبة الوطنية عدد كبير من الكتب والمخطوطات والوثائق والرسوم الثمينة قدرت بـ 1200 مخطوطة و1329 كتاباً ووثيقة.

قدّرت الأمم المتحدة خسائر الحرب المباشرة التي أصابت رأس المال الإنشائي والتجهيزي في القطاعين العام والخاص بنحو 25 مليار دولار، بالإضافة إلى الخسائر غير المباشرة التي طاولت الدخل وبلغت قيمتها أرقاماً مضاعفة، علماً أن الناتج المحلي للفرد في لبنان تراجع عند انتهاء الحرب العام 1990 إلى نحو ثلث ما كان عليه العام 1974 (بالأسعار الثابتة) وذلك بسبب انخفاض حجم النشاط الاقتصادي من جهة، وازدياد عدد المقيمين من جهة أخرى.

وأدّت هذه الأوضاع على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي كما يؤكد استاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الدكتور حازم البُنّي إلى ما ياتي:

أوّلاً في القطاع الصناعي: شهد هذا القطاع انهياراً مريعاً، فالصادرات الصناعية انخفضت بنسبة 35 في المئة عام 1983 مقارنة بما كانت عليه العام 1974. وفي الفصل الأول من العام 1984، بالمقارنة مع الفصل الأول من العام 1983، لوحظ انخفاض النسبة إلى 65 في المئة. يؤكد هذا الأمر أنه جرت تصفية عشرات من المؤسسات الصناعية في طرابلس وسلعاتا (شمال) والشويفات والناعمة (جبل لبنان) والضاحية الجنوبية لبيروت. وتفاقمت الخسائر الصناعية مع مشكلة التهريب من طريق المرافئ غير الشرعية ابتداءً من العام 1978 وانهيار نظام الحماية الجمركية وتضاعف أسعار المحروقات والكهرباء، إضافة إلى تشرذم الأسواق والتمزيق المنظّم للسوق الداخلية وتقطيع أوصالها.

ثانياً في القطاع الزراعي: شهد أيضاً انهياراً تدريجياً إذ انخفضت صادرات الحمضيات بنسبة كبيرة بلغت نحو 40 في المئة العام 1983، وكذلك في ما يتعلق بالتفاح والموز. كما أن المساحة المزروعة من التبغ وصلت إلى نصف ما كانت عليه عشية 1975. وانخفضت زراعة الشمندر السكري بنسبة 30 في المئة العام 1982 مقارنة بعشية الحرب الأهلية. أما الثروة الحيوانية فتراجعت كثيراً، وأفلست عشرات المزارع والمؤسسات الصناعية الزراعية وترتّب على ذلك هجرات من الأطراف إلى العاصمة وإلى خارج البلاد.

ثالثاً في قطاع الخدمات: لا يخفى على أحد أنّ التدهور حصل أيضاً في خدمات التعليم والطبابة والاستشفاء، خصوصا في خدمات السياحة والاصطياف. وعلى سبيل المثال لا الحصر شهدت المؤسسات الفندقية انهياراً كبيراً ووصل عددها إلى 37 مؤسسة العام 1983 بعدما كان أكثر من 100 العام 1975. وحصل أيضاً تدهور في المواصلات والاتصالات وشبكات الطرق وصيانتها، فضلاً عن الترانزيت ومداخيل مطار بيروت.

التداعيات الاجتماعية.

قبل العام 1975 شكلت الطبقة الوسطى حيزاً مهماً في تركيبة المجتمع اللبناني، وما ان بدأت الحرب حتى ضعفت قدرات هذه الطبقة، إما بسبب الهجرة وإما نتيجة الخلل الذي أصاب بنية الاقتصاد. وفي ظل التبدل الذي أصاب الطبقات الاجتماعية كثرت أحزمة البؤس حول العاصمة بيروت وفي مناطق أخرى، فمن النزوح إلى الهجرة إلى ارتفاع معدل الأيتام والأرامل إلى الفرز الطائفي المناطقي. ومن المعطيات التي لا تلحظها غالباً الدراسات العلمية المؤثرات النفسية للحرب على اللبنانيين خصوصاً الأطفال.

وفي هذا السياق يؤكد الاختصاصي في طب الأطفال الدكتور كامل مهنا في دراسة تحت عنوان «لا مكان للأطفال في الحرب ـ حالة لبنان» أن «الطفل اللبناني تعرض لخمس أو ست تجارب صادمة في حياته، و90.3 في المئة من الأطفال عاشوا تجربة القصف، و68 في المئة اجبروا على النزوح، و54.5 في المئة عانوا الفقر الشديد، و50.3 في المئة كانوا شهوداً على أعمال العنف المختلفة، و26 في المئة فقدوا أحد أقربائهم، و21.30 في المئة افترقوا عن أهلهم». وأضاف أن «6.6 في المئة من الأطفال دون 14 عاماً يعملون خارج المنزل بأجر أو بدون أجر، ونحو 45 في المئة منهم يتسربون من الدراسة قبل نهاية الحلقة الدراسية الثالثة من التعليم الأساسي من دون الانخراط في التعليم المهني، ما يعرضهم للتهميش أو للعمل بأجر منخفض».



هاجس الحروب بعد الطائف

لم تكن دورة العنف بين 1975 و1990 والتي توقفت رحاها إثر توقيع «اتفاق الطائف» محطة أخيرة. ورغم أن التركيبة السياسية خلال التسعينات عرفت تحولات طفيفة، فإن المفارقة التاريخية أن أمراء الحرب عادوا إلى السلطة، ما أدخل لبنان في حال من التوتر الدائم بفعل عوامل عدة: سطوة الجهاز الأمني السوري ـ اللبناني على مفاصل القرار، تعرض الجنوب لعدوان اسرائيلي متكرر، ارتباط القرار الداخلي بالمصالح الإقليمية، صعود الخطاب الطائفي بين القوى الممسكة بزمام السلطة، والاتجاه نحو التوريث السياسي. وفي موازاة ذلك حضرت «الحريرية السياسية» في البانوراما اللبنانية بدءاً بالعام 1990، وشكلت أحد محاور ما سمي «الترويكا». وعلى امتداد الفترة الممتدة من العام 1990 إلى العام 2005 شهد لبنان حوادث تفجيرية متفرقة، ومنعطفات جذرية كان أهمها صدور القرار 1559 الذي سبقه بيان المطارنة الموارنة العام 2000 الذي طالب بانسحاب الجيش السوري.

وما إن وقع «الزلزال الثاني» باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري يوم 14 فبراير 2005 حتى انقلبت المعادلات الداخلية، وانقسمت القوى السياسية بين فريق مؤيد لسورية وخط الممانعة وآخر طالب باستقلال القرار الداخلي. وتبعاً لهذه الثنائية استعملت الساحات وحشدت الجماهير، ولعل تظاهرة 14 مارس 2005 كانت الأضخم في تاريخ لبنان الحديث.

بين العام 2005 والعام 2008 تعرض لبنان لسلسلة من الاغتيالات طاولت أهم قادة «ثورة الأرز»، وعلى مرمى «الحرب بالاغتيالات» وقعت ثلاثة أحداث أمنية: العدوان الاسرائيلي في يونيو 2006، مواجهة مخيم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام» العام 2007، ومواجهات 7 مايو 2008.

أعاد «اتفاق الدوحة» الذي وقع في قطر في مايو 2008 الهدوء في شكل نسبي، غير أن الخلاف السياسي العميق بين قوى «8 آذار» و«14 آذار» بقي جمراً تحت الرماد وخصوصاً بعد الانعطافة الشهيرة للزعيم الدرزي وليد جنبلاط يوم 2 أغسطس 2009. قبل هذه المرحلة المفصلية وعلى أثرها، تناقضت المعادلات السياسية الداخلية في ظل حديث عن صراع مذهبي هذه المرة بين السٌنة والشيعة.

بين 1975 و2005 دخل لبنان «غابة الذئاب». وفي الذكرى السادسة والثلاثين لاندلاع الحرب الأهلية تتراكم التجارب التاريخية لتؤكد هاجس الخوف الدائم لدى اللبنانيين من حروب متكررة