| فهد حمود الحيص |
إذا كان التنافس السلبي بين بعض الشعراء يعتمد على التمايز في العرق أو اللون أو المعتقد، أو حتى على القرية والمدينة والبلد، وإذا كان بعض الشعراء أوغل في الهجاء بذكر المثالب في منافسيه والازدراء في مخالفيه، فإن ذلك لا يكون من باب التعميم على كل الشعراء، فقد ضرب الشاعر الطرماح الطائي و الشاعر كميت الأسدي أروع الأمثلة في حسن الاختلاف بعيداً عن الخلاف، وجميل التحاور بعيداً عن التدابر.
الطِّرمَّاح بن حكيم بن الحكم، من طيء. شاعر إسلامي فحل، ولد ونشأ في الشام، وانتقل إلى الكوفة فكان معلماً فيها. واعتقد مذهب الخوارج. وكان هجاءً، معاصراً للكميت صديقاً له، لا يكادان يفترقان.
والكميت هو ابن زيد الأسدي، شاعر مقدم، عالم بلغات العرب، خبير بأيامها، فصيح، من شعراء مضر وألْسِنتها، والمتعصبين على القحطانية المقارنين المقارعين لشعرائهم، العلماء بالمثالب والأيام، المفاخرين بها. وكان في أيام بني أمية، ولم يدرك الدولة العباسية، ومات قبلها، وكان معروفاً بالتشيع لبني هاشم، مشهوراً بذلك، وقصائده الهاشميات من جيد شعره ومختاره.
فقد ذُكِر في كتاب البيان والتبيين
ولم يَرَ الناسُ أعجبَ حالاً من الكُميت والطرمّاح، وكان الكميتُ عدنانيّاً عصبيّاً، وكان الطرِمّاح قَحطانياً عَصَبيّاً، وكان الكميت شِيعيّاً من الغالية، وكان الطرِمَّاح خارجيّاً من الصُّفْريّة، وكان الكميت يتعصَّب لأهل الكوفة، وكان الطرمَّاح يتعصب لأهل الشام، وبينهما مع ذلك من الخاصَّة والمخالَطة ما لم يكن بين نَفْسَينِ قطّ، ثم لم يَجْر بينهما صَرمٌ ولا جَفْوةٌ ولا إعراض، ولا شيء مما تدعو هذه الخصالُ إليه، ولم يَرَ الناسُ مثلَهما
...
وكلاهما من شعراء الملحمات
فكميت الأسدي صاحب قصيدة:
أَلاَ لا أَرى الأيّامَ يُقضَى عَجِيبُها
بِطولٍ، وَلاَ الأحداثَ تُفْنى خُطُوبُها
َلاَ عِبَرَ الأيّامِ يَعْرِفُ بَعْضَها
بِبَعْضٍ مِنَ الأقْوَامِ إلاّ لَبِيبُها
وَلَمْ أَرَ قَوْلَ المرءِ إلاّ كَنَبْلِهِ
بهِ وَلَهُ مَحْرُومُهَا وَمُصِيبِها
والطرماح صاحب قصيدة:
قل في شَطّ نَهروانَ اغْتماضي،
ودَعاني هَوَى العُيونِ المِراضِ
فَتَطَرّبْتُ للصِّبا ثم أَوْقَفتُ
رِضاً بالتقى، وذو البرِّ راضي
وأراني المَلِيكُ رُشْدي، وقد كُنْت
أَخَا عُنْجُهِيّةٍ واعتراض
* أديب ومهندس
[email protected]