د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم

1 يناير 1970 03:39 م
يا الله كم موقف في الحياة اكتشفنا أنه كان في صالحنا، ولكن بعد مدة من امتعاضنا منه ورفضنا له، فالخيرة خفية كما قيل، وما يحدث حولنا من أحداث إنما هي أقدار يجب علينا الرضى بها وتقبلها والتعايش معها، وذلك لا يلزم القبول بها، وعلينا واجب العمل على تغييرها ما وسعنا ذلك.

ولو استرجعنا خبراتنا في الحياة لتذكرنا كم رددنا داخل أنفسنا قول الحق سبحانه «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون»، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد استنزاف طاقتنا النفسية والروحية في رفض الواقع الذي نعيشه، ولو كان هذا الفهم واضحاً منذ البداية لما تلوثنا بالإحباط، واليأس من الحياة.

الحياة في مجملها صراع بين الخير والشر، وكل فريق بما لديهم فرحون، وكل طرف فيها يتعب وينصب في طريقه، فاختر لنفسك إلى أي الفريقين تنتمي، وتحت أي الرايات تنضوي، قال تعالى «يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه»، وتلك قاعدة مضطردة باختلاف الزمان والمكان، ومن ظن أنه سيرتاح يوماً ما فهو مخطئ.

علينا في هذه الحياة أن نختار بين الانحياز للمبادئ أو للأشخاص، فمن انحاز للمبادئ والمثل والقيم والأخلاق قد يخسر بعض الناس، وتناله سهامهم الطائشة المسمومة، ولكنه سيكسب احترام البشر جميعاً ولو بعد حين، بينما سيخسر ذاته من انحاز للأشخاص، لأن البشر من طبعهم الخطأ، واجتهاداتهم قد تشوبها حظوظ الدنيا وزخرفها، ما يجعل الصواب فيها مسألة نسبية لا مطلقة.

إن المبادئ مفاهيم مطلقة الزمان والمكان، ولذا فنحن نردد مقالات الفلاسفة والمصلحين والمفكرين من كل زمان وفي أي مكان، لأنها لم ترتبط بأشخاص، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، وكم يحزنني عندما أجد من يحرم نفسه الاستفادة من الخير الموجود لدى الآخرين بسبب تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان.

ولذا علينا أن نراجع مواقفنا بشكل مستمر، ونعرضها على مسطرة المبادئ والقيم والأخلاق والمنطق السليم، فإن وجدنا فيها خيراً تمسكنا به، وعضضنا عليه، وإن وجدنا غير ذلك تراجعنا عنه، وطلقناه طلاقاً بائناً بينونة كبرى، وكبّرنا عليه أربعاً، ولا نستمر في التأسف والتحسر على مواقف سابقة أخطأنا تقديرها، فكلنا معرض لصنوف الخطأ والنسيان والتقديرات غير السليمة، ولكن الحسرة والندامة الحقيقة عندما نخسر أنفسنا باستمرارنا في الخطأ ونحن نعلم ذلك علم اليقين.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

Twitter : @Dralsuraikh