محمد العوضي / خواطر قلم / جامعة الخليج... مناظرة شيعية سنية!!

1 يناير 1970 10:31 ص
في كل سنة وفي الفصل الدراسي الثاني على التحديد تكون لي جولة ثقافية على جميع الجامعات والكليات الحكومية والخاصة موزعة على شهرين، ومن الجامعات التي لاحظت فيها درجة عالية من الانضباط الاداري ومراعاة القانون جامعة الخليج، فعلى سبيل المثال يستحيل ان ترى في ساحات وممرات واستراحات هذه الجامعة طالبا يدخن، بينما ترى اللون الابيض المسموم يخرج من أنوف وأفواه الطلبة ويحيط بك من كل جانب في كليات الهيئة العامة للتعليم التطبيقي وكليات جامعة الكويت، بل انني أرى الطلبة يرمون بأعقاب السجائر على أبواب الفصول الدراسية قبل دخول الدكاترة الموقرين... أمس وقبل ان أدخل القاعة (215) في كلية الدراسات التجارية كان شابان يرتديان الزي الوطني الكامل تبدو عليهما سمات الوقار والنباهة استأذناني بالدخول كمستمعين، رحبت بهما وأفهمتهما ان قاعتي مفتوحة لكل مستمع فكيف لم يبلغكما الخبر وفي كل حصة لابد ان يكون هناك ضيوف من الطلبة غير المسجلين للمادة ما يزيدني حرصا على العطاء الهادف، فقالا نحن من جامعة الخليج... انتهت الحصة وبعد تسجيل الغياب طلبا مني طلبا غريبا، قالا اننا من لجنة التوعية او اللجنة الثقافية - لا أذكر بالضبط - في جامعة الخليج ونريد منك ان تشارك في مناظرة شيعية سنية واخترناك كممثل للطرف السني وكلنا أمل بموافقتك.

قلت لهما لحظة... لحظة... استريحا على الكراسي... وجلسا بكل ذوق قلت لهما يا شباب... اي مناظرة؟ الى اين تتجهان؟ غلط كبير فالمناظرة فيها (مغالبة) مهزوم ومنتصر، مخطئ ومصيب، المناظرة يدخل فيها البعد الشخصي والتحيز للذات والانتماء اكثر من طلب الوصول الى الحقيقة والاقتراب منها، للعلم انني منذ الصغر أحب المناظرات الشفوية الأدبية والفكرية والعقائدية وفي مكتبتي رصيد ليس بالقليل من مراجعها، وفي برنامج بيني وبينكم الرمضاني العام الماضي قدمت حلقتين عن المناظرات بشروطها وآدابها... اذا كانت النصيحة الهادئة يترفع بعض الناس عن قبولها لأنها تتضمن خطأ في النصوح أو قصورا فيه فكيف بالمناظرة التي تقوم على التحدي وأحيانا الاستعراض، يقول شوقي في حكمه «النصح ثقيل فلا تجعله جدلاً وترسله جبلاً»، بل انني في السنين الاخيرة (بطلت) الدخول في المناظرات والمجادلة المعرفية البحتة مع الملحدين والشكاك لأنها مدعاة للعناد او لتحقيق الذات عند بعضهم كما يقول استشاري الطب النفسي الدكتور طارق الحبيب، وأخذت أدخل معهم في الحوار من باب (المدارسة المتبادلة بين الطرفين)... فإذا كان الملحد الذي يزعم الموضوعية والانطلاق من العقل والتفكير العلمي تأخذه العزة بالاثم والاصرار على أوهامه فماذا عسى ان يكون حال المناظرة في المذاهب الدينية التي تحمل إرثا ثقيلا من الصراع العاقل والمجنون، وماذا يحصل لو جاءت مناظرات هذا النوع من الانتماء في أجواء الصراع السياسي والطائفي المسموم والاستقطاب الحاد من الجميع ضد الجميع مع ما تشعله القنوات في القصف المتبادل بالصور والوثائق الدامية!!

... لا يا شباب... لا مناظرات ولا هم يحزنون... نريد حوارا هادئا يجمع ولا يفرق او يركز على المشتركات او يدعو الى عدم توسيع دائرة الصراع وتصديره للاجيال المسكينة... قلت لهما البديل محاضرة عن التعايش ونزع فتيل الفتنة وطرح موضوعات ومحاور تنقذ الجماهير من السقوط في فخاخ عشاق الفتنة والمستفيدين منها. فوافق الطالبان وقالا هذا مرادنا ولكن خاننا التعبير. قلت الآن اتفقنا وأنا جاهز، قالا من ترشح؟ قلت انتما رشحا بعقلكما وخبرتكما من تريانه مناسبا. قالا نريد عنوان المحاضرة: «الكويتيون شيعة وسنة لا فرق». قلت: عنوان جميل لكنه مثالي أو قد يفهم خطأ، فالفرق موجود بين المذاهب والقبائل وغير ذلك والتحدي، كيف نتعايش ونحقق ميزان العدالة بين الجميع بعيدا عن التصنيف الحاد او الميل البشري الطبيعي لانتماءاتنا... نعم قد يكون ما تقصدان (لا فرق) في الحقوق والواجبات والمواطنة وبقية المشتركات... شكرا لمبادرة طلبة جامعة الخليج وأنا في الانتظار.

حمانا الله جميعا من ظلم أنفسنا أو ظلم كل ذي نفس.





محمد العوضي