قضايا الرأي والتعبير تظل محل خلافات وتجاذبات في المجتمعات النامية التي لم تصل الى درجة من الرقي والنهضة المؤسسية والديموقراطية التي تحميها من الانزلاق في متاهات سوء الفهم عن حرية التعبير وتداعياتها. الناس بطبيعتها تحمل الافكار والمعتقدات المتباينة التي تصل احيانا إلى مرحلة الصراع، وربما تقام الحروب بين الامم بسبب هذه المعتقدات، لكن وضع الحدود المانعة لعدم استغلال مفهوم الحرية في التطاول او المساس يعتبر الاساس في ارساء دعائم الديموقراطية التي تفرق بين العام والخاص، والثوابت والمتحركات، والخير والشر، والنافع والفاسد.
حرية التعبير في المجتمعات كلها، خصوصا المتقدمة مقيدة بضوابط واسس تجعلها في سياج الحماية والسلامة والمشروعية، لانها ترسخ مفاهيم حق الانسان في التعبير الذي لايؤذي اويضر بالمجتمع، وتنسجم مع الدساتير والوفاق الاجتماعي، وتصد الامزجة الفردية والمنافع الخاصة من ان تسود على المصالح العامة.
لذلك، فان الاعلان عن الرأي في اطار الانفلات والاساءة الى الاخرين ليس له علاقة اطلاقا بمقولة «حرية التعبير الاعلامي» الذي مع الاسف، ينساق اليها البعض عندما يجدون ان مصالحهم تتضارب مع مصالح الاخرين او مع انظمة الدولة فيسيئون استخدام التعابير للتطاول والمساس بكرامات الاخرين، والنيل منهم بحجة اسداء النصح وحرية الرأي. فالانسان الذي يعبر عن رأيه بالمساس بالدول الصديقة لبلده او المساس بالذات الأميرية او اركان الحكم الذي ارتضى الناس ووافقوا على حكمهم للبلاد، او النيل من الاخرين بنشر مايسيء اليهم ويؤدي الى اضرار بالغة باسرهم، ذلك كله يقع في دائرة الممنوع الذي لايمكن الدفاع عنه او القبول به على اساس حرية التعبير لانه اتجاه سيدخل الناس والبلاد في نفق معروفة عواقبه...
ليس هناك خلاف على اهمية التعبير او ان حرية التعبير واجبة لانها سمة حضارية وفطرة انسانية لكنها حرية غير مطلقة، ويجب ان تكون نظيفة معززة لقيم الاخلاق، وثقافة التسامح والمحبة، والمؤثرة في تطوير الحياة، والتكاتف والتعاون بين الناس من اجل الوطن، وما عدا ذلك فإن حرية التعبير هي فوضى وجنون وعيب ينبغي ان تتوقف، ويعاقب عليها كل من يسعى اليها.
نقول هذا الكلام بعد ان تزايدت الدعوة عندنا لعدم الاقتراب من حرية التعبير والرأي، رغم علم الناس بان الفوضى سادت هذه الحرية واصبحت تهدد كيان الوطن وكرامات الناس، فلــقد انحرفت الحرية في الفكر والرأي عن اهدافها التي تسعى عادة لاصلاح المجتمع، ومكافحة كل مايسيء له من اساءات متعمدة تحت ستار التعبير المنفلت الذي يقود الى المزيد من التفكك الاجتماعي وضياع الدولة في ظروف سياسية وامنية معـــقدة تحيط بها من كل جانب، وتحتاج الى تلاحم وطني وتعاون ونوايا صادقة من الجميع.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]