«أخبار اليوم»... الجريدة التي غيرت مسار الصحافة المصرية / 1

1 يناير 1970 06:00 م

|   القاهرة – «الراي»   |


 في منطقتنا العربية تولد كيانات إعلامية تنمو وتنطلق وتصير علامات مضيئة بمشاركات متنوعة ومساهمات قوية في أوطانها، وفي المقابل سرعان ما تختفي كيانات أخرى، لا تأثير ولا حضور لها.

ومن بين المؤسسات الإعلامية الصحافية العربية مؤسسة «دار أخبار اليوم» في مصر، هذا الكيان الذي ولد على أيدي الشقيقين علي ومصطفى أمين، لتتوالى إصداراته تباعا حتى الساعة.

وتأريخا لمسيرة هذه المؤسسة الصحافية العربية أصدرت مكتبة الإسكندرية في مصر كتابا تذكاريا تحت عنوان «أخبار اليوم مدرسة صحافية مصرية» يتضمن صورا ووثائق نادرة من إعداد الدكتور خالد عزب وممدوح مبروك وشريف اللبان.

الكتاب التذكاري يحكي أدوار هذه المؤسسة في المجالات: السياسية، الاقتصادية، الفنية، الاجتماعية، الثقافية، الرياضية، وغيرها من المجالات.

ويؤرخ لمسيرة روادها وكتابها ورسامي الكاريكاتير وجاء في 421 صفحة من القطع المتوسط.  وقد اقتربت «الراي» من الكتاب وتعرفت على بعض ما جاء فيه في السطور التالية:


صحيفة الدفاع عن الوطن من دون انتماءات حزبية


|   القاهرة - من أغاريد مصطفى   |


بدت مؤسسة «أخبار اليوم» المصرية في هذا الكتاب ملفا فريدا من نوعه، فهو يؤرخ ويوثق لنشأتها وتطورها، ويتناول كل ما يتعلق بتاريخ هذه المؤسسة العريقة، ويحمل وثائق وصورا نادرة لمؤسسي هذه المؤسسة علي ومصطفى أمين، وأعلامها ورموزها من الرجال والنساء، وكل من شارك في نهضتها وجعلها المؤسسة الصحافية الأولى في مصر.

 يستعرض الكتاب مراحل نشأة هذه المؤسسة منذ البداية، وكيف أنها بدأت بفكرة، وحلم تحقق بعد ذلك، لتتمكن هذه المؤسسة من منافسة نظائرها من المؤسسات المصرية والعربية في مجال الصحافة، ثم كيف بدأت تتطور، والمراحل التي مرت بها لتصبح مؤسسة عريقة، ومثلا يحتذى به للصحافة المصرية الناجحة.

صدور هذا الكتاب التذكاري عن مكتبة الإسكندرية يأتي ليؤرخ لمؤسسة من أهم المؤسسات الصحافية المصرية، جسدت تطور مهنة الصحافة في مصر، في قالب جديد. ويروي الكتاب إسهامات هذا الصرح الذي انطلق العام 1944، ليفجر إبداعات وكتابات أدباء ومفكرين ينتمون إلى جميع الاتجاهات السياسية والفكرية أمثال توفيق الحكيم وسلامة موسى.

الباحث بإدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية ممدوح مبروك أشار إلى أنه عكف على تجميع المادة الوثائقية والأرشيفية للكتاب التذكاري منذ ثمانية أشهر، وأنه تم إجراء مجموعة من المقابلات الشخصية مع عدد من الشخصيات المهمة، منها الصحافية صفية مصطفى أمين، والتي لم تبخل بأي معلومة أو أي وثيقة متوافرة لديها.

وأضاف، في تصريحات لـ «الراي»: «كان لقائي مع نوال مصطفى، وفاروق إبراهيم مثمراً جداً، وأضاف العديد من النقاط المهمة التي كان من الضروري التوقف عندها والتركيز عليها. فجاء هذا الكتاب ليصبح بمثابة الملف الأول من نوعه الذي يشمل كل ما يتعلق بتاريخ هذه المؤسسة العريقة.»

 وأكد أن الكتاب يضم صورا ووثائق تنشر للمرة الأولى لمؤسسيها علي ومصطفى أمين، وعدد من أعلامها مثل التابعي وكامل الشناوي وإحسان عبد القدوس ومحمد حسنين هيكل، وغيرهم، خلال ممارستهم لعملهم الصحافي أو أثناء لقاءاتهم مع القادة السياسيين، أو كمراسلين في الحروب الكبرى، بالإضافة إلى الأوراق والوثائق الخاصة بتأسيس الصحيفة وتراخيص الإصدارات الأولى للمؤسسة مثل «مجلة الجيل»، وصحيفة «آخر لحظة». كما احتوى على الأعداد الأولى من كل إصدار. وقد تمت الاستعانة لتنفيذ الكتاب بعدد من الملفات الشخصية مثل ملف مصطفى أمين وخالد أباظة ومصطفى شردي وأحمد رجب ومحمد الشماع وجمال الغيطاني. وقد جاء الإخراج الفني للكتاب بشكل شيق وظف كل صفحة لتضم أكبر قدر من المعلومات والوثائق والصور.

الكتاب يحتوي على خمسة فصول، جاء الفصل الأول ليوثق لنشأة وتطور «مؤسسة أخبار اليوم». وفي هذا الشأن يذكر الكتاب أن مصطفى أمين كان يحلم منذ صباه بامتلاك دار صحافية كبرى تنافس الدور التي كانت قائمة في مصر في ذلك الوقت، في حين كان علي أمين يحلم بأن تكون هذه الدار على غرار الدور الصحافية الأوروبية، وهو ما يعني أن تقوم بإصدار صحف تستطيع أن تنافس الصحف العالمية.


 علي في إنكلترا

 قبل أن يسافر علي أمين إلى إنكلترا لدراسة الهندسة كان مثله الأعلى في الصحافة «روزاليوسف»، وفي العام 1931 كتب إلى شقيقه مصطفى من لندن يقترح عليه إصدار صحيفة أسبوعية مصرية أصحابها مصريون، تجمع بين سمات المجلة الأسبوعية والصحيفة اليومية، سياستها الدفاع عن الوطن ضد المستعمر، وفي الوقت نفسه تكون مستقلة بلا أي انتماءات حزبية، تقوم بالتنديد بالتصرفات التي تتعارض مع مصالح البلاد، وبعث له بتبويبها.

وكان مصطفى أمين في تلك الفترة محررًا في «روزاليوسف» وقد عارض التابعي والسيدة روزاليوسف المشروع ووصفاه بأنه خيالي لا يفكر فيه إلا شاب فقد اتصاله بالذوق المصري، وأُجلت الفكرة حتى العام 1936 حين اجتمع مصطفى أمين مع محمود أبو الفتح، والتابعي، وكريم ثابت، لإصدار صحيفة «المصري» ورُفضت الفكرة أيضًا. 


 محاولات جديدة

بعد ذلك فكر علي ومصطفى أمين مرات عدة في تنفيذ مشروع «أخبار اليوم» ففي العام 1939 عرض حسين أبو الفتح مشروعًا صحافيا علي ومصطفى أمين وذلك بشراء «دار اللطائف المصورة»، والتي كانت عبارة عن دار مكونة من عمارة كبيرة فيها مطابع روتوغرافور، مقابل ستة آلاف جنيه، يدفع علي ومصطفى ثلاثة آلاف، ويتقاضى مصطفى راتبا ضخمًا في مقابل رئاسة تحرير المجلات التي تصدرها الدار الجديدة، ولكن مصطفى أمين رفض هذا العرض وقال لحسين أبو الفتح إنه لا يزال صغير السن، وبحاجة إلى تجربة أكبر قبل أن ينتقل من رئيس تحرير إلى صاحب صحيفة.

وفي العام 1940 تكررت المحاولة مرة أخرى فقد عرض محمود أبو الفتح على مصطفى وعلي أمين الاشتراك في إصدار صحيفة مسائية، وأن يكون مصطفى أمين رئيسًا للتحرير، وجرت مفاوضات، واقترح مصطفى أمين أن يكون اسم الصحيفة «أخبار اليوم».

 لكن محمود أبو الفتح اعترض على الاسم بحجة أنه مؤلف من كلمتين، وأصر مصطفى على الاسم ووافق محمود أبو الفتح، وتم إعداد عقد الاتفاق كما تم تحديد يوم التوقيع وساعته، وكان من المقرر أن يوقع في مسكن محمود أبو الفتح في جاردن سيتي، بالقرب من وسط القاهرة،  وذهب علي ومصطفى أمين في الموعد المحدد للتوقيع ولكنهما وقفا أمام باب العمارة مترددين وأعرب كل منهما عن عدم اطمئنانه لتوقيع هذا الاتفاق، ولم يدخلا العمارة وتراجعا عن المشروع. 


 اقتراح جبرائيل تقلا

أيضا في العام 1942 اقترح جبرائيل تقلا صاحب الأهرام على مصطفى وعلي أمين أن يدخل معهما شريكًا ولكنهما رفضا، وهذا الرفض ليس بسبب شخص جبرائيل تقلا وإنما أرادا ألا يقامرا بأمواله في مشروع يحتمل الفشل والنجاح، وأرادا أن يتحملا وحدهما مسؤولية هذا الفشل من دون أن يشركا فيه أشخاصا لا ذنب لهم سوى أنهم تحمسوا للفكرة. 

   كان علي ومصطفى لا يريدان البدء في هذا المشروع إلا وهما على درجة عالية من الكفاءة والاقتدار، فمن أجل تحقيق هذا الحلم أخذا يعدان نفسيهما إعدادا جيدا لإنشاء هذه الدار، وكتبا في الصحف القائمة، كما اشتركا في تبويبها وابتكرا لها أبوابا جديدة وعملا في «روزاليوسف»، و«الأهرام»، و «الاثنين».

 واستفادا من الفن الصحافي الذي كان التابعي أحد أساتذته ومن الفن الإخباري الذي كان جبرائيل تقلا صاحب «الأهرام» أحد علمائه، ومن فنون الطباعة والإخراج التي تميزت بها «دار الهلال».


مشكلات التمويل

الفصل الأول يستعرض أيضاً المشكلات التي واجهت «أخبار اليوم» عند صدورها، ومن بين هذه المشكلات الحجم والتمويل. وتكشف السطور عن بعض المعلومات التي لم تكن معروفة من قبل مثل استكتاب السيدة أم كلثوم، والتي كانت متحمسة لإصدار صحيفة مصرية خالصة، وقد أقرضت علي ومصطفى أمين مبلغ 18 ألف جنيه، وكتبت بهذه المناسبة مقالة تحت عنوان «حينما أغني»، وذلك في العدد الثالث من أخبار اليوم الصادر بتاريخ 25 نوفمبر 1944.

ويقدم هذا الفصل أيضا مقالات لعدد من أهم الكتاب العالميين والشخصيات السياسية، منها مقالة كتبها برنارد شو في العام الأول لصدور الصحيفة العام 1945، ومقالة لغاندي، وأيضاً هـ . ج ويلز، وغيرهم.

 ولم تقتصر عملية الاستكتاب على الكتاب والصحافيين، بل شملت أيضا نجوم المجتمع وكبار رجال الدولة والعلم والفن، لما لهم من منزلة خاصة لدى الجمهور بحكم مناصبهم السياسية والاجتماعية، وقد بدأوا يكتبون في «أخبار اليوم» حتى يتعرف الجمهور على آرائهم في القضايا المختلفة وإن لم تكن سياسية مثل: إسماعيل صدقي، وحسين سري، وإبراهيم عبد الهادي، وغيرهم من الشخصيات العامة مثل رؤساء الأحزاب ورؤساء الجامعات، ورؤساء البرلمانات والنقابات وكبار الأطباء.


الاهتمام بالصورة

وجاء الفصل الثاني بعنوان « أخبار اليوم ... صحيفة ومدرسة»، ليوضح أنه بصدور «أخبار اليوم» بدأت مرحلة جديدة في الإخراج الصحافي، فقد اعتمدت الصحيفة على جذب القراء بالعناوين الضخمة الملونة وغير الملونة، وتوسعت في التصميم الأفقي إلى حد كبير، علاوة على الاهتمام بعنصر الصورة الفوتوغرافية، من ناحية العدد والمساحة.

 كما تمتعت «أخبار اليوم» بما تمتعت به الصحف العالمية، من تنوع أشكال الحروف، وغلبة الاتجاه الأفقي في التصميم، وسيادة الصورة الفوتوغرافية لاسيما في الأحداث السياسية المهمة.