لغة الأشياء/ رمل ناعم في العيون

1 يناير 1970 04:36 م
| باسمة العنزي |

انتهى فصل الشتاء الذى أحبه، وباغتنا الصيف - من دون مقدمات لا يفضلها- فارضا سطوته، والشمس تكاد تقترب من سطح الأرض عبر أشعتها العنيدة، وفي المسافة الى المنزل، كانت الغيمة السوداء تتحرك بكل ثقلها مكتسحة الفضاء المندهش، في الخط السريع تحول الجو من مشمس الى غائم معتدل، وفي الدقيقة التي أغلقت بها باب المنزل ورائي، التفت واذا بالغيمة السوداء تأكل شطر المدينة بلهفة منقضة على الشوارع والساحات والمركبات وثياب البشر، تاركة روحي مطمئنة بين أربعة جدران، وأصابعي تبحث بين المحطات عن تفسير علمي لما يحدث في الخارج.

أيتها الريح

العبث...

لم يدفع المسافر صوب عشك

فقط ترك نباح همومه

على قارعة الطريق

وألقى اليك ما تقتاتين عليه

من الاستجداء*

الظلام يلف الخارج،الريح المزمجرة تهز الأشجار والأبواب بتوتر غريب، يتغلغل الهواء المحمل بالأتربة الناعمة الى كل المنافذ،أشعر أن الفتحات والشقوق المتواطئة تسرب لي رسائلها الهازئة، لا عاصم لي سوى تجاهل الأمر، أغلق التلفاز باحثة عن كتاب... أي كتاب خفيف وقادر على جذبي، أختار رواية «سعادة السفير» للأديب الراحل غازي القصيبي، لم أقرأ الرواية الصادرة عام 2003 من قبل!

أيتها الريح

احملي هذا العصفور

الى الضفة الأخرى من يدي

واسمحي له أن يودعك

عند أقصى محطات السفر

وان استطعت تبديل ملامحه

فافعلي*

كل شيء تعطل في مدينتي عندما هاجمتها العاصفة الترابية المسرعة، الظلمة الحالكة وانعدام الرؤية أرعب البشر، وأجهض خططهم للساعات المقبلة، الحركة الجوية والبحرية شلت، والاصابات ارتفع عددها، انهمرت الرسائل الهاتفية بالأدعية والخوف من الغامض الذي هجم ذات غروب ممسكا بتلابيب فضائنا الآمن.

ذرات الغبار تتحرك من حولي هائمة، أجدني تماهيت مع كلمات القصيبي وقصة السفير والطاغية همام، قليل من الواقع والكثير من الخيال، وهو في بداية الكتاب نوه ألا نصدق كلمات الديبلوماسيين أبدا!

بعد ساعات طويلة من العزلة الجميلة أطل من النافذة، كل شيء مغطى بطبقات الرمل بعد أن هدأت أنفاس العاصفة. اللون الأصفر هو السائد، أكمل الصفحات الأخيرة من الرواية بفضول القارئ النهم، أسند رأسي مفكرة بكل عمليات التنظيف التي سيستلزمها الغد ليبدوا أكثر بياضا واشراقا بعد أن تعافى من بطش الريح. وأحمد الله على القدر خيره و شره.



* المقاطع الشعرية من ديوان «أمسكنا الوعل من قرونه» للشاعر زهران القاسمي، 2006 دار الانتشار العربي.