حاضر في دار الآثار الإسلامية

عبد الهادي العجمي: تاريخ المرأة المسلمة لم يأخذ حقه من الاهتمام

1 يناير 1970 11:14 ص
ضمن الموسم الثقافي السادس عشر لدار الآثار الإسلامية ألقى أستاذ التاريخ في جامعة الكويت الدكتور عبد الهادي العجمي، محاضرة باللغة الإنكليزية عن «المرأة في الإسلام كما صُورت** في مصادر السيرة»، الإثنين الماضي في مركز الميدان الثقافي في منطقة حولي التعليمية. قدم المحاضرة وأدار حولها النقاش فرح خاجة من أسرة الدار.

في البداية تحدث المحاضر عن غياب حق المرأة في التأريخ من خلال مؤرخينا الأوائل، مشيرا إلى أن البحث في تاريخ المرأة المسلمة قضية لم تأخذ حقها من مؤرخينا الأوائل بشكل يضمن لنا نحن الباحثين معرفة الموقع والدور الذي لعبته المرأة خلال هذه الفترات من العصور الإسلامية الأولى، خاصة وأنه في بيئة ترتكز على نسق راسخ من المفاهيم والأفكار الموروثة، يصبح فهم وتفكيك البنى غير الحقيقية عن المرأة، وإبراز عناصر تكونها التاريخي هو البداية الحقيقية في السعي إلى بلورة منظور بديل لهذا الدور، ومحاولة فهم واقعها بشكل أكثر عمقا في مؤلفات التاريخ الإسلامي، وإن كنا نلحظ أن الاهتمام بتأسيس هذا المنظور لم يتواصل في بعض القرون من العهود الإسلامية المتقدمة، إلا أن عمليات البحث والتنقيب في هذه المصادر ومراجعة تاريخ المرأة فيها يكشف وبلا شك، عن محاولات كثيرة لبيان وإظهار صورتها في واقع التاريخ الإسلامي للعصور الأولى.

وقدم المحاضر قراءة جديدة لواقع المرأة منذ القرن الأول من الهجرة وحتى نهاية القرن الثامن، والتي نكاد نلحظ فيها أن المرأة لم تكن مهمشة أو منفصلة عن واقع الأحداث الكبرى أو الفارقة في تاريخ أمتها- فمن خلال هذه المحاولة يمكن أن نتعرف على بعض الاقترابات المُعينة التي قد تفيد الباحثين في ما بعد على متابعة البحث في هذا الصعيد.

وقال العجمي عن سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي: «... والحقيقة أننا نكتشف من خلال هذه النظرة البسيطة على واقع رصد المرأة من قبل مؤرخينا الأوائل، أن الدلائل تشير أنه لم يكن لديهم قط انحياز ذكوري يدفعهم لتهميش دور المرأة في أثناء عملية التدوين التاريخي، بل على العكس من ذلك، فلطالما رأينا مؤرخينا الأوائل، وفي الكثير من الترجمات العادية للرجال، يذكرون أسماء الأم أو الزوجة أو الابنة، كذلك نلحظ أن مصادرنا الإسلامية توضح وبصورة كبيرة، وعلى الرغم من قلة تواجد نساء فيها، أنه كلما كان الوضع السياسي للدولة مستقرا، ارتفعت مكانة المرأة وتنوعت أدوارها زبيدة أم الأمين محمد بن هارون الرشيد، مثلاً فهذا العصر العباسي الأول تميز باستقرار نسبي واضح مقارنة ببعض العصور التالية والسابقة له، بما يعكس فاعلية المرأة في البيئة الحضارية، وحضورها في كافة المواقع الاجتــماعية والعـــلمية والثقافية.

وتناول المحاضر بعض المراجع التاريخية التي تحدثت عن المرأة المسلمة، وضرب مثالا لبعضها، كما أشار العجمي الى نموذج آخر من المراجع التاريخية وهو وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن خلكان «ت 681 هـ» المولود في أربيل في العراق في العام 608 هـ.

يتناول ابن خلكان في كتابه التراجم الشخصية للشخصيات العربية والإسلامية البارزة منذ العصر الجاهلي حتى العام 654هـ، وقد أدرج في بعض تراجمه تاريخا للصفاريين، وتاريخا للسلاجقة، وتاريخا للعبيديين، وتاريخا للأيوبيين. إن وفيات الأعيان يعطينا تصوراً عميق الدلالة، ويقودنا التصفح الأوليّ للتراجم الموجودة فيه من جهة، وعلى قلة ما ذكره من النساء من جهة أخرى، إلى أننا أمام مصدر مغاير عما عداه، من حيث المنظور الذي يوظفه.

فالناظر إلى عدد من ذكرهم من النساء أنه لا يتعدى الست عشرة امرأة، من مجمل حوالي 850 علَما، مما يعمق حقيقة أن مؤرخينا الأوائل لم يكن لديهم انحياز يدفعهم لتعليق أو تهميش المرأة في كتاباتهم أثناء عملية التدوين التاريخي، بل إن ابن خلكان نفسه يصرح بأنه لم يذكر أحدا من الصحابة إلا القليل. وعلى الرغم من قلة المترجم لهم من النساء، إلا أن هذا لا يجعلنا نغفل أن ابن خلكان كان في الكثير من المرات يتعرض لذكر بعض النساء كأن يقول فلانة ويذكر اسمها وهي خالته أو أمه أو أخته دون أن يتعرض لها، الأمر الذي يعكس فاعلية المرأة في البيئة الحضارية حتى للرجل المترجم له، وحضورها في الكثير من المواقع التي ترجم فيها للرجال.

وأخيرا تناول المحاضر كتاب تقريب التهذيب لابن حجر والذي يعتبر من الكتب ذات الدلالة المهمة على احتفاء كتب التاريخ والمصادر الإسلامية المتقدمة بالنساء، وخاصة المحدثات والفقيهات منهن. فقد تناول ابن حجر في هذا الكتاب حوالي 824 امرأة مِمَّن اشتهرن بالرواية، حتى مطلع القرن الثالث الهجري، وذلك من حوالي جملة 8826 ممن تم ذكرهن من التراجم.