احتار قلمي وشُل فكري وهلّ دمعي وارتجف بدني وتناثرت أوراقي واهتزت الأرض من تحت قدمي عندما أردت الكتابة عن أمي، تطايرت الأفكار وغابت الكلمات وتعذرت الحروف وقالت لا شيء يفي بحقك يا أمي، كنت خير الأم والصديقة وخير الأخت والعضيدة وخير الخليلة والعديلة، أقسم بالله يا أمي لا أعرف كيف ألملم شتات أفكاري حتى أتمكن من الكتابة عنك، لأن الحروف تعثرت وتعذرت و قالت لي عفواً! معذرة لقد بعثرتنا هذه المرأة برقيّها ودماثة أخلاقها فهي أكبر من أي كلمة تقال وتكتب إنها عملاقة في الطيبة والحكمة والأعمال الخيرية وتفريج الكرب وقضاء الحاجات، لقد كنت بحراً من العطاء والسخاء والجود والكرم يا أمي، لقد كانت تنفق إنفاقا كالنهر الجاري الذي لا يجف ولا يقف عن جريانه بل يصل إلى حد الفيضان ولكن من دون أضرار وخسائر، حتى فيضانك يا أمي فيه الحكمة والرحمة والعطف والحنان على من حولك!
أمي مناقبها ومآثرها كثيرة وعديدة أحتاج إلى مداد من الحبر للكتابة عن سيرتها وحياتها التي امتدت إلى 80 عاماً وكلها معمورة بالخير والعطاء.
هنيئاً لك يا من لديك أم تعيش بين حنانيها وتغمرك بعطفها وتوجيهاتها ونصائحها فلا تحرمها وتحرم نفسك برّها وتؤجل هذا البر ليوم أو أسبوع أو شهر في العام!
إليك عزيزي القارئ وصيتي، وصية ابنة: قم بواجب والدتك وبرها حتى ولو كنت تزحف على ركبتيك ولا تخيّب أملها فيك، برها مع كل نفس من أنفاسك وفي كل لحظة ودقيقة، قبّل يديها ورأسها والله لقد رأيت المعجزات تتحقق لي من دون سؤال وطلب، ورأيت التوفيق والنجاح من الله في كل مجالات حياتي عندما بدأت أقبل يداها، قدم لها الهدايا والعطايا في كل أسبوع أو شهر، شاركها أفراحها وأحزانها وحتى مرضها شاركها فيه، قبل أن تفقدها وتتحسر على فقدانها وأنت مقصر في حقها الشرعي الذي أمرك الله تعالى به.
اجعل أيامها كلها أعياد بإحسانك وطاعتك لها، احترمها وقدّرها وتحمّل مسؤولياتها في كبرها كما تحملت مسؤولياتك في صغرك، ابتسم في وجهها ولا تنزعج منها عندما تغضب والله ما تغضب إلا لأجلك، اجعلها تشعر بالسعادة والأمان وأنت تلبي طلباتها، إياك أن تضايقها أو تجرحها بكلمة أو فعل وتندم وتتحسر بعدها، لا تخلف بوعودك معها وكن صادقاً شفافاً معها، لا ترفع عينيك بعينيها وأنت تخاطبها بل اجعل عينك تنظر إلى قدميها فاعلم أن الجنة عند لزومك غرزها إرضاء لها، تفقد أحوالها ولا تنتظرها تطلب مساعدتك، كن مبادراً وتفنن في صناعة الراحة لها ولا تعجز!
إن فقدان الأم لشيء عظيم لا يعرف مرارته وحسرته إلا الذي فقد أمه مثلي، لقد فقدتها منذ 6 أعوام وكأنها 6 دقائق من عظم الحسرة والألم الذي أعيشه من بعد فقدها، إن الأم هي الوالدة، وأم الشيء أصله ومجمعه، ولذلك سميت الأم أماً لكونها أصلاً فهي مجمع خلق الإنسان إذ يجمع في رحمها وقد تفرع عنها وهي عماده، وأم كل شيء أصله وعماده.
حافظ على أصلك ومجمعك وعمادك قبل فقدانه، والله إن فقدت هذا العماد لتشعر بالضياع والتشرد والحرمان، ومهما نكتب من مقالات وقصائد تبقى الأم أعظم من أي سطور تكتب وقصائد تنشد.وبعد أن تجرعت ألم الفراق وذقت مرارة الاشتياق وطعم الالتياع ليس لي إلا الدعاء اللهم بلغ أمي مني السلام واجمعني وإياها في أعلى الجنان في مقعد صدق عند مليك مقتدر واجعل عملي الصالح في ميزان حسناتها. اللهم ارحم أمي (عائشة صالح الحساوي) كما ربتني صغيرة واغفر لي كما بررت بها كبيرة.
وبعد أن قرأت عزيزي القارئ سطوري هذه هل من الحصافة أن نقيد الأم بيوم لنهديها هدية، وهل هذا شيء يصدقه العاقل؟ إن الله تعالى أوصانا بالوالدين براً وإحساناً في خمسة مواضع من القرآن الكريم ولم يوصنا بتخصيص يوم لهذا البر والإحسان، ولتكرمها بما يليق بها طوال العام وليس فقط في يوم من شهر مارس كل سنة، إنها لإهانة لها وتصغير لمكانتها التي عظم الله شأنها وقرن رضاه برضاها، فهل نكرمها ونهديها هدية في يوم من كل عام فقط!
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
[email protected]