«خرجنا من المرقاب في أوائل الخمسينات»

عبدالله الصانع: عملت في البلدية سنة 1960 براتب قدره 550 روبية

1 يناير 1970 11:07 ص
| إعداد : سعود الديحاني | نحن اليوم نستعرض ذكريات عبدالله زويد الصانع فيبدأ معنا عن ولادته في المرقاب ثم التحاقه بمدرسة ملا مرشد بعدها درس في مدرسة المرقاب الابتدائية ثم سار في ركب الحياة العلمية حيث عمل بادارة البلدية قبل ان تكون وزارة، احاديث مفعمة بالذكريات يتخللها التطرق الى سيرة والده التي كانت مليئة بالمحطات والانجازات فهو من رجالات الكويت الذين لا تزال ذكراهم حية بين الناس فلنترك عبدالله الصانع يحدثنا:



والدي توفي سنة 1969 ونحن خرجنا من المرقاب في اوائل الخمسينات وانا مواليد المرقاب نحن كنا بالقرب من مسجد العثمان ونحن بالقرب من بيت الوزان بيننا وبينه شارع وكان جيراننا اكثرهم العتبان وعبدالله السبتي وبيت مبايع والخبيزي وهم مقابل باب الديوانية اما الملاصق لنا فهو مرزوق العجمي وهناك سكنه ثم بيوت وبيوتنا هي الآن مجمع الوزارات واما دراستي كانت عند الملا مرشد وكان معه محمد وسليمان وكان عنده حوشان للكبار والصغار وكان معي ابناء المذن وكنا نذهب مشيا على الاقدام كنت ارافق الوالد عندما يذهب الى الدكان كان هو يوصلني الى ملا مرشد بعد دراستي عند الملا مرشد التحقت في مدرسة المرقاب الابتدائية وناظرها كان استاذ نجم بعد هذه المدرسة انتقلنا الى منطقة الفروانية وبها اكملت دراستي وكان ذلك بعد تثمين بيتنا في المرقاب وقيمته كانت 50000 الف خمس ركوك كما يقال وفي الفروانية كان بيتنا حوشا كبيرا وديوانية حوش كبير تطارد به الخيل والجاخور كبير والمطبخ كبير وهو البيت الكبير بينا وبين السوق حوطة بعده شارع السوق وهو غير البيت الذي اجرته من الشؤون.

الدكان

دكان الوالد كان في سوق السلاح هو من دكاكين احمد الجابر وقبله كان عنده دكان من دكاكين الشيخ صباح الناصر في القرب من قصر نايف وهو حينما بدأ كان دكاناً صغيراً وقد دخل الوالد البحر لكن لم يطل ممكن سنة واحدة وانا ادركت جدي لكن لا اذكره جيدا مثل الحلم اذكر كان يمشي «يتوكأ» على عصا وهو طويل ادركته وهو كبير في السن ووالدي هو وحيد ابيه ووالدي دخل البحر صغيرا تبابا، لكن لم يستمر في البحر واخذ يعمل من كسب يده الصنعة في يده وهكذا بدأت معه صنع وتصليح السلاح شيئا فشيئا حتى اتقنت هذه الحرفة وهي تصليح السلاح ثم بعد ذلك اخذ يخرج وقت الربيع في صحراء الكويت حيث يكثر اهل البادية فيشتري منهم السلاح القديم غير صالح للاستعمال «المسكرب» ويعيد تصنيعه من جديد ثم يبيعه وكان في الاول الناس تخرج وهي تحمل معها البنادق وهو امر شائع فتجد الكل يخرج ويحمل معه سلاحا بل قد يعاب على من لا يحمل سلاحا وهكذا الوالد كان يعمل ويشتري السلاح القديم «الخرب» ويعيد تصنيعه ثم يبيعه.

الشهرة

اشتهر الوالد في عمله في السلاح وتصليحه عن غيره لأنه اتقن هذه المهنة وتميز بها ولا تخرج البندقية من يده بها اي عطل او خلل فهو يصلح بيده ويجيد مهنته واذكر مندوب الشيخ احمد الجابر يوم كنا ندفع ايجار 5 روبيات كان ايجارا بسيطا.

انواع

الوالد يصلح جميع انواع السلاح لا تعجزه اي بندقية مهما كان بها العطل او الخلل الوالد يتمكن من تصليحها وتجهيزها والبنادق بالاول كان البرنو وبلجيك ثم طلعت الشوازن ام خمس والصمعة التي يكيل بها الرصاص وانا لم اعمل مع الوالد حين كان يأمرني لكن لا اعرف اما قطع الغيار فكان الوالد يشتريها مع الشيوخ أبناء سعود وهذا بعد مجيئ بنادق ام خمس اما تصليح البنادق فهو بيده.

الاتقان

من مهارة الوالد وتميزه وقدرته على اتقان عمله اذكر ذات مرة امرني ان اصعد على سقف دكانه وقال اخرج الى قطع عطلانة وخربانة من السلاح المتهالك الذي كان الوالد يشتريه ويعيد تجهيزه وتصليحه بيده وانزلت له من اعلى سقف المحل قطعة حديد وبها صدأ فقلت له ماذا تريد بها فأخذ يضحك الله يرحمه وقال: اصبر كم يوم وترى ماذا افعل بها وفعلا جعل له نادوسا وخشبا وبسطانة وكمل تجهيزها وخرجت بندقية كاملة جاهزة فلما دخلت عليه قال لي انظر هذه البندقية هذه قطعة الحديد التي ضحكت منها قبل ايام عدة انظر اليها معلقة فقلت له هذه «برنو قصيرة» قال نعم برنو قصيرة وترمي احسن رمي وجعل له حزاما ورصاصا و«فشقا» شد وباعها الوالد هو الذي يصنع الرصاص والفشق وهو يصب الرصاص ثم يمليه في البارودة ويلقمه فيه وهو بنفسه كان يعمل الرصاص ويجهزه بنفسه، وهذه كانت قطعة حديد قديمة جهزها وجعلها تخرج بندقية جديدة.

الصفات

الوالد كان هينا لينا مع الناس ومرحا وكريما ولا يأتيه احد ويذهب غير راض ويسهل على الناس وهو كان محبوبا عند الناس ولم يكن يقرأ ويكتب، حاولت ان أعلمه لكن لم استطع وهو لم يعمل في الحكومة قط.

المبارك

يوم كان الشيخ عبدالله المبارك رئيس الامن العام عرض على الوالد ان يعمل في الامن العام لكي يكون في فحص الاسلحة ويختبر من يقوم في هذا العمل من تصليح وتجهيز الاسلحة العسكر والمهنيين فيمن كان يعمل في الشرطة والامن لكن الوالد اعتذر منه انه يريد ان يعمل حرا غير مقيد في عمل ما وبعد ذلك كان الشيخ عبدالله المبارك يرسل له من كان يريد ان يعمل في تصليح وتجهيز الاسلحة لكي يخبره ويرى كفاءته لهذا العمل واذكر ان المتقدمين لهذا العمل كان يصلح عطل الاسلحة ويجيد ذلك لكن عن طريق «كتلوج» وفهرس كتاب الاسلحة الخاص بها فهو يعمل وفق كل دفتر خاص في السلاح يرجع اليه قالوا للوالد نريد منكم يا زويد ان تعمل له اختبارا وفحصا، اخذ الوالد بندقيتين من بنادق الجيش وغير اصابعهم وقدمهما لذلك الرجل وهو من جنسية لبنانية وقال له ماذا ترى بهما اخذهما وحملهما وقال كلتاهما جيدتان وممتازتان فرد عليه الوالد وقال واحدة منها تستطيع ان ترمي بها والاخرى لا تستطيع وهذا الرجل كان مدربا لسلاح فردي وقال لا كيف ذلك فأخذ الوالد طلقتين ووضع إحداها في بندقية ووضع الاخرى في البندقية الثانية ثم قال له ارم فحاول ذلك المدرب والخبير في السلاح ان يرم فلم يستطع فقال كيف ذلك فرد عليه الوالد وقال ان اصبع هذه البندقية قصير لذا لا تستطيع ان ترمي بها فهذا نادوس قصير والاخرى طويل فضحك الشيخ عبدالله المبارك وقال «والله انك خبير» ثم قام الوالد وأعاد كل اصبع في مكانه ثم قال الآن هي ترمي وقد قال: للشيخ انا حاضر كل ما اردتم مني شيئا فأنا حاضر لكن اريد ان اكون حرا في عملي متى ما اريد ان اذهب الى اولادي وبيتي وعملي وكان الوالد له علاقة طيبة مع الشيخ عبدالله المبارك وعلي الخليفة وكل الشيوخ.

الوقت

كان الوالد يفتح دكانه في الصباح الباكر حتى وقت الظهر ثم يذهب الى بيته ويعود وقت العصر حتى المغرب ثم يعود الى بيته ومرات يكون عليه ضغط في العمل لأن بعض الناس لا يثق إلا بعمل الوالد «لا نريد إلا زويد» لذا كان الوالد يأخذ معه البنادق التي يراد تصليحها معه في البيت يعمل خشبة لها ورصاصا وما بها من عطل.

الثور

كان هناك ثور هائج وثار من القصاصيب وخرج من الدروازة دروازة الشامية فهرع القصاصيب وقالوا «تكفي يا زويد» الثور هاج وخرج من الدروازة فأخذ الوالد احدى البنادق المعلقة في دكانه وتوكل على الله وركب معهم في السيارة وهم جاؤوا اليه لأنه بواردي ولما جاء الى الثور وضع المشط في البندقية واذا بثور ينطلق تجاه والدي فهرب من كان معه في السيارة لكن الوالد ثبت وصوب البندقية تجاه الثور فأصابه في الاولى فنهض الثور يريد ينطح والدي فصوب الطلقة الثانية عليه فتقدم تجاه الوالد مرة ثالثة فصوب الطلقة الثالثة عليه فأرداه صريعا ومن الطرائف ان رجلا مسنا كان نائما على قارعة الطريق متلحفا بردائه «عباءته» فزع من نومه وهو لا يعلم بما حصل وسقط الثور قريبا منه وقيل له انت سالم قال نعم انا سالم وبندقية الوالد اصابها خلل «اكذبت» في اولى طلقاتها ثم اطلقت في الطلقة الثانية والثالثة والتي اسقطت الثور.

القطا

حصل بين الوالد واحد الاشخاص نوع من التحدي حيث مر عليهما طائر القطا فقال ذلك الشخص هل تريدني ان نرمي القطا فإذا اصبتها اريد جلدها صميل «وعاء» لي

فقال الوالد وانا بوعبدالله تضحك بي فاطلق البندقية عليها فإذا اصابت الوالد برأس القطا ولم يصب جلدها بشيء فقال لذلك الشخص آخذ جلدها سليما واعمل منه صميلا لك.

أأنت تضحك علي.

صباح

كانت بنادق الشيخ صباح الناصر كلها عند الوالد هو الذي يعتني بها ويجهزها وهو علاقته معه اكثر شيء وانا شفت الشيخ صباح الناصر حيث ذهبت مع الوالد اليه يوم كان في العارضية واكثر زبائن الوالد من اهل الكويت عريب دار.

والوالد في الستينات جعل في دكانه صبيا يعمل وذلك يوم خف الشغل والوالد سنة 1967 ترك المحل واخذ ..يعمل شغله الخاص في بيته وكان الوالد يذهب مع الشيخ فهد صباح الناصر للمقناص وهو كان في الاول يقنص وحده اما الحلال من غنم «عرب» فهو الذي اشتراها وحلاله كان فيه صبيان يرعون الحلال وهو في دكانه ويلاحظ حلاله وكذلك الوالد يوم سكنا الفروانية عمل في العقار واذكر ان احد بيوتنا اجرته دائرة الشؤون.

البر

نحن كنا اذا اتى فصل الربيع نخرج عند حلالنا ونأخذ ثلاثة اشهر أو اربعة وكان من أصدقاء الوالد حمد البراك وابنه محمد، وسعود بن شعوان وذياب القفيدي والد عبدالله وصالح بن دحيان وناصر المرشد ومحمد بن سمرة هؤلاء كبار السن الذين اذكرهم وحين مرض ذهب محمد البراك وخالد الطاحوس لوزير الصحة وسافر لندن وتوفي سنة 1969 وهو مرض بعدما جاء من المقناص.

جدي

انا جدي جليل حميدي الهويدي كان في الفحيحيل بيته بالقرب من بيت الشيخ مطوع الفحيحيل احمد المبارك والوالد تزوج مرتين اولى زوجاته توفيت سنة الجدري مع اخي واما اختي فنجت منه بعد ذلك تزوج الوالد من والدتي وأتيت انا واخواني.

النجدي

انا درسني محمد النجدي الشريف دين في الفروانية وكذلك استاذ سمير وعبدالفتاح ثم عملت في البلدية سنة 1960 وهي اول وظيفة كان عمري 18 عاما في الديرة 1960/5/22 راتبي في الروبيات 550 روبية في شؤون الموظفين خدمت 23 سنة ثم تقاعدت سنة 1982 وقد انتقلت الى الشؤون الصحية بادارة الاغذية وانا قال لي محمد البراك ان هناك وظائف في البلدية فكتب كتاب طلب واجراءات عادية وكان المدير محمد صقر المعوشرجي.

الزواج

تزوجت وعمري اربعة عشر عاما وذلك لأن والدي قال نذر اذا صار عمري اربعة عشر عاما ان يزوجني ويذبح في العرس فاطر وخمسة عشر خروفاً... يقولون اصابني مرض ولم يكن جاء احد من اخواني فنذر ذلك النذر فزوجني وانا كنت اظنه يضحك يوم قال لي نريد ان نعقد قرانك «الملكة» وانا كنت العب في الغاري «الدراجة الهوائية» مع ربعي وقلت يا يبه من صدقك قال اضحك عليك صلاة العصر خل جاهز سوف نذهب «نملكك» فسألته من هي البنت فكانت بنت جارتنا التي كنت العب معاها ونحن في المرقاب وكان عقد القران عند عبدالله العثمان وقال يا «زويد» انت صادق ان تزوج الولد او تضحك قال نعم انا ناذر فاسأل عمي هل انت قابل تزوج عبدالله قال نعم فعقدنا القران واوفى الوالد نذره وذبح فاطر وخمسة عشر خروفا والمهر كان 1500 روبية والحمد لله هي ام عيالي ولم اتزوج غيرها.

الجراد

يوم كنت صغيرا ذهبت مع احد اصدقائي واسمه خليفة نصطاد الجراد ومعنا دافود مربوط بعرفجة وكان الجراد كثيرا في ذلك الوقت وكنا نصطاد حينما يقع على شجر العرفج وبعد ذلك اضعنا جهة طريقنا ولم نميز ان نتجه واين طريق فريجنا والسكة المؤدية له بعد ذلك اتانا رجل واخذنا الى قصر نايف وحينما رأيناه استطعنا الوصول الى بيوتنا لكن الشرطة اصرت على ان تأتي من يذهب بنا الى اهلنا وفعلا أتانا من اخذنا الى اهلنا وقد قلق اهلنا علينا ورمينا الدافود والعرفج.

القهوة

الوالد راعي قهوة ودلال ومشب وديوانيته مفتوحة كان اهل القصور من الشعيبة وبوحليفة اهل اللواري الذين يكدون يستريحون في الديوانية ديوانية زويد سواء الوالد كان موجودا أم لا القرم والقهوة والشاي في الديوانية والوالد شبه بعد صلاة الفجر، وكذلك كان للوالد علاقة طيبة وصداقة مع الشاعر عبدالله بن غصاب كان اذا اتى للكويت ونحن في المرقاب يزور الوالد وهناك تواصل بينه وبين الوالد وانا لم ألحق عليه، والوالد كان ديوانيته مشرعة وذبيحته معلقة ومحبوبا عند الناس والضيف ذبيحته موجودة، اتذكر مرة جيته الضحى واذا هو ذابح خروفا قلت لمن قال لي انا معاك يوم كنا في البر كل يوم ويومين ذبيحة وتوفي وعمره 69 سنة في لندن.

الشامية

كان عند الوالد ارض في الشامية وبيت وحوطة وكنت اذهب معه وهي عند كوت الهويدي أما أرض حديقة وهران كانت عطية من الشيخ صباح الناصر وباع الوالد اراضيه لأجل سيارة فورد اشتراها من الحميضي وقد قال يا زويد متى ما اتيت في الفلوس على السعة لكن الوالد لا يحب الدين لذا باع اراضيه بمبلغ رخيص نقدا والفورد استمرت عندنا لغاية سنة 1967 بعدما انتقلنا من الفروانية وهو اشتراها سنة 1952 بـ 22 الف روبية اخلص لها الوالد رفعها على حجر وتركها لم يبعها حتى اخذتها البلدية وهي واجهة خير على الوالد وقد تعلمت السواقة عليها عمل الوالد في المكدة طريق الرياض لأن الدكان فيها «صبي» واما المكده فكان ينقل البضائع «الزل» الى الرياض ويعود والطريق كان صعبا ووعرا.