سيف الهاجري / الغلاء فساد ودمار

1 يناير 1970 07:20 ص

الغلاء وباء تعمل الدول على مكافحته والقضاء عليه فهو من الأوبئة المستوطنة التي رافقت الإنسان منذ الأزل، وهو وباء متعلق بأداء هذا الإنسان عند إعماره لهذه الأرض، لا تسببه الفيروسات ولا البكتيريا ولا الميكروبات التي عرفها الطب الحديث فعلاجه ليس بالمضادات الحيوية أو التطعيم، بل بسياسات وقرارات حكيمة وعادلة.

في الأعوام الأخيرة ضربت موجة الغلاء الكويت وباقي دول الخليج العربي وضعفت معه القدرة الشرائية للأسرة، وبالتالي انخفاض المستوى المعيشي لها وهنا مكمن الخطر، مما يتوجب على الحكومات في دول مجلس التعاون التنبه لهذا الوباء الداهم الذي بدأ يضرب مجتمعاتنا بعنف وأصبح خطراً على الطبقة الوسطى، مما يهدد معه السلم الاجتماعي الذي تعيشه المجتمعات في هذه الدول.

إن مواجهة الغلاء ليست مشكلة عويصة بحد ذاتها، فالخطورة تكمن في ما تقوم به الحكومات من إجراءات لمواجهة هذا الغلاء، فلنأخذ الكويت نموذجاً، فالمراقب يدهش لمدى ضعف وهشاشة الإجراءات المتبعة من قبل الحكومة، والتي لا تتعدى تصريحات ووعود بمواجهة هذا الغلاء، في حين أنها مازالت تطبق سياسات وقوانين قديمة يرجع غالبها للقرن الماضي، فماذا نحن بحاجة إذاً؟ يتساءل البعض.

نحن بحاجة إلى سياسات اقتصادية فعالة لمواجهة الغلاء ومواكبة التطور الاقتصادي الذي يعيشه العالم في قرننا الجديد، لا تصريحات ووعود لا تسمن ولا تغني من جوع. نحن بحاجة إلى منظومة تشريعية متكاملة نرسخ فيها حرية السوق والتنافس القائم على الفرص المتساوية للجميع، لا سوق قائمة على الاحتكار كنظام التوكيلات البالي الذي جعل السوق الكويتية سوقاً طاردة ومتخلفة عن الأسواق الأخرى.

نحن بحاجة الى كسر الاحتكار العقاري الذي تعيشه السوق العقارية، وما الارتفاع الهائل لأسعار العقار إلا وجه من الأوجه السلبية لهذا الاحتكار البغيض. والأوجه الأخرى ظاهرة في ارتفاع الإيجارات السكنية والاستثمارية وآثارها الهائلة والمدمرة، والتي لا تخفى على المستوى المعيشي للمجتمع وقضائها على الفرص الاستثمارية للطاقات الطامحة لممارسة العمل التجاري والاستثماري، فالكويت البلد الوحيد في العالم الذي لا تتوافر فيه مساكن للمستويات المعيشية كافة، ففي ظل الأسعار الحالية لا بد لك من مليون دولار لتنعم بسكن كريم، وما الطلبات الإسكانية المتراكمة إلا وجه آخر من السياسات المرسخة والمحافظة على هذا الاحتكار.

نحن بحاجة إلى قطاع صناعي خاص خلاق يقود التنمية الاقتصادية، قطاع متنوع نصل به إلى القدرة على البقاء عند نضوب النفط وهو قريب، لا قطاع اتكالي يعتمد على دعم الحكومة في المناقصات وفي توظيف الكوادر الوطنية فيه ومازال. نحن بحاجة إلى قطاع مصرفي متطور ومساهم في التنمية الاقتصادية كشريك أساسي في مشاريع تنموية واستراتيجية تنهض بالبلد، لا كممول فقط يسعى نحو الربح القائم على فوائد القروض، بغض النظر عن طبيعة المشاريع المستهدفة ومدى مساهمتها في التنمية الاقتصادية.

هذه حاجات متكاملة لا نستطيع من دونها مواجهة الغلاء وبلائه، وسينشر دماره على الأسر كافة في المجتمع، حتى ولو رفعت الرواتب فمن يضمن سوقاً لا تقوم على أسس صحيحة وعادلة، حكومة لا بوصلة لها أم مجلس تحول إلى صالون سياسي؟ وما جلسة الغلاء الأخيرة إلا رأس جبل الفساد المستشري في مؤسساتنا الدستورية منها قبل غيرها، فإذا فسد القلب فسد الجسد كله.


سيف الهاجري

كاتب وناشط سياسي كويتي

[email protected]