منى راشد الدعيج / رثاء / «ماما عفاف» حكاية الحب الفطري
1 يناير 1970
06:54 ص
كان في ذلك الوداع برقة في عينيها... لم أفسرها... إلا في صباح اليوم التالي، ناظرتنا نظرة الأم المودعة لفلذة أكبادها فكانت هي الأخيرة. لم يطرأ على خريطة عقلي بأنني لن ألقاها بعد ذلك، وكانت قبلتها الأخيرة طبعتها على وجنتي، انها النهاية لرواية غرزت جذورها في أفئدتنا المعتصرة ألماً، فكان صباح اليوم التالي الذي غاب فيه الضياء.
حينما هتف المنادي لأحبابها، هرعت اليها وقد تثاقلت خطاي، دعوتها بندائي... فيا ضيائي أجيبي!
أتحرى تلك النبرة في صوتها الحنون يطرق مسمعي... فهل حان ذلك الفراق فعلا؟ طافت بنا كنسيم عليل يطيب هواه... ألزمتنا بطاعة الله وصلة الأرحام وفعل الخيرات، لم لا وقد جندت نفسها وأموالها في حب المساكين والسعي لقضاء حاجة الآخرين، تفرح لفرحهم، وتحزن لحزنهم، وحملت هموم من عرفتهم ومن لم تعرفهم، تدعو لهم وبأسمائهم حتى في مرضها الأخير والذي عانت فيه أصعب الآلام، وقد شمل ذلك الدعاء غير المسلمين كذلك فيا عجبا لها!!
فما كان إلا ان سخر الله لها كل من حولها. فبكوها بحرقة وحسرة رجالا كانوا ونساء مؤمنين بقضاء الله وقدره.
أبت مقلتاي مفارقة محياها المشع نورا ووقارا، لأراجع شريط الذكريات القريبة والتي أخذت ترتب فيها أوراقها، وتخط على سطور صفحاتها الخاتمة، نقشت فيها تربية يعجز المربون على ان يأتوا بمثلها، وأخلاقا ندرت إلا في الأحلام، وحب فعل للخير ليس له شبيه سوى في الروايات والقصص، وما أن أتمت تلك السطور اختارت ان تنهيها ويالها من نهاية...
أنهتها بين يدي وأحضان من رفرف قلبها له عشقا وحبا وافتخارا الابن البار والشقيق الغالي «محمد» لتودع ذلك الشموخ والعطاء وتختمه بشمع حب يملأ بعدد قطرات الأمطار أركان السماوات والأرض، لامسنا تلك الأقدام الطاهرة... فقلنا وداعا قبلنا ذلك الجبين النضر... وقلنا صبرا جميلا متسائلين كيف سيكون عيد الأم دونك؟ يا من كنت عيداً في أيامنا.
نقول لك يا «ماما عفاف» طبت وطاب ممشاك، ونقول لأحبة حملوك على الأكتاف بلغوها سلام من ذاب بحبها منتظرا لقاءها في جنة عرضها السماوات والأرض وشكرا لك على أمومتك النادرة... شكرا لك على دفئك وحنانك... شكرا لك على دعائك لنا معزين أنفسنا بذلك الإرث والذي لا يرثه إلا السعداء وهو... «حب الناس لك» إليك يا من أضأت قلوبنا بالنور الملائكي قول الله عز وجل «فروح وريحان وجنة نعيم».
ابنتك/ منى راشد الدعيج
2011/2/22< p>< p>