كثيرون هم من يطالبون بالحرية، ولا أعلم إن كانوا يعلمون أو لا يعلمون بأن الحرية مشروطة بضوابط وثوابت الدين ومن أهم شروطها العدالة، وتنطلق الحرية في الإسلام من أسس وقواعد ثابتة وهي التي يرتكز عليها النظام الإسلامي بأسره. لا بد من أن نعدل ما بين حريتنا وحقوق الآخرين حتى لا تكون حريتنا على حساب الآخرين أو العكس، وعندما نطالب بالحرية لا بد من معرفة شروط وقواعد هذه الحرية وما يتبعها من نظم وقوانين وحدود.
عرّف بعض علماء الدين الحرية «بأنها تبتدئ من حيث يستفيد الفرد وتنتهي حين يبدأ ضرر الآخرين». ويقول جون استيوارت «إن الحرية عبارة عن قدرة الإنسان على السعي وراء مصلحته التي يراها بحسب منظوره، شريطة ألا تكون مفضية إلى إضرار الآخرين». أما العالِم كانت فيقول «الحرية عبارة عن استقلال الإنسان عن أي شيء إلا عن القانون الأخلاقي».
لاحظ معي عزيزي القارئ أن علماء الغرب، وهم الذين يعيشون حياة من دون ضوابط وقيود، يرون الحرية بشكلها الصحيح، واتفقوا مع علماء الدين على عدم جلب الضرر للغير، وألا تضر حريتك بالآخرين، ولا توصلك حريتك بالاستقلال حتى عن القانون الأخلاقي، قد نختلف مع بعضنا البعض بما هو من حريتك وبما هو من حقي، فلهذا فلنتحاكم إلى الشرع حتى يعرف كل منا ما له وما عليه. ونتفق عزيزي القارئ مع بعضنا البعض على أن حريتك التي تؤذي الآخرين هي من حقهم وما يؤذيك من الآخرين فهو من حقك ولكن... يجب أن يكون مقياسنا وضابطنا هو شرعنا حتى لا نتنازع ونختلف على حقوقنا وحرياتنا، وندرك ما هي حقوق الآخرين علينا، وكيف نوازنها ونكافئها مع حرياتنا الشخصية؟ وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم للحرية أدق المقاييس والمعايير عندما قال في حديثه الصحيح «مثل المُدْهِن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة، فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي ولابُد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجَّوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم». رواه البخاري.
فلا نتعسف في استعمال حقوقنا بحجة الحرية الشخصية حتى لا يصدر منا الظلم والجور على غيرنا بقصد أو من دون قصد. والظلم والجور والهلاك على أنفسنا حتى أوصلتنا الحرية الشخصية إلى التفكك والتحرر من ثوابت وأصول الدين. لقد وصل بنا الحال بأن نستظل تحت مظلة الحرية الشخصية إلى أن انسلخنا حتى من واجبات الدين.
كل مسلمة على وجه الأرض تعلم علم اليقين أن الحجاب واجب عليها وأكبر دليل عقلي على وجوب حجاب المرأة أنها عندما تصلي تغطي سائر جسدها بما فيه الشعر، لماذا هذا التعالي على حقوق الله وحقوق خلقه؟ يجب على المسلم الانصياع والتسليم التام لأوامر الله من دون مكابرة وانتهاك وتعد لهذه الحقوق تحت مبرر التحرر من القيود والحرية الشخصية والتي لا نقبل النقاش والجدال في حقوق الله علينا، لأن الأصول والجذور لا تتغير ولا تتبدل بتغير أحوال وأهواء البشر.
علينا أن نسعى وبجهود حثيثة لتوعية البشر بمعنى الحرية الصحيح، وأن ديننا دين اليسر وفيه كثير من الفُسح لو مارسناها بمفهومها الصحيح، وكما ينبغي أن تمارس من دون الخروج والتعدي على حريات الآخرين لأفلحنا واتفقنا بأن الحرية المشروطة هي من تخرجنا وتخرج الآخرين من ظلمات وقيود الحرية المطلقة غير المشروطة والمؤذية لنا ولغيرنا إلى نور حرية الشرع وحدود الدين.
منى فهد العبدالرزاق الوهيب
[email protected]