فهـد البسـام / نقطة / مثل الرياح العنيدة..

1 يناير 1970 06:49 ص
العالم العربي اليوم لا يمكن تشبيهه إلا «بكباريه» أو نادٍ ليلي كبير يعلوه الصخب والضوضاء حيث الإضاءة الخافتة يتخللها وميض باهر متقطع، والزبائن الكبار الذين كانوا دائماً على حق يترنحون، سقط منهم اثنان بعد أن أسكرتهما «السلطة» والثالث ينتظر، وبقيت الأغلبية في هذا الظلام والإزعاج والفوضى تترقب، لا تعرف مصيرها ولا تدري من التالي، ترقب وقلق وتوتر يعم، الجميع بانتظار انتهاء موجة الثورات كما في حياة الليل حيث لا يبدأ دفع الفواتير واحتساب «مستوى» الخسائر والأرباح إلا بعد اشعال الأنوار.

إلا الكويت بقيت خارج هذا الظلام المريب وهذه المعادلات المعقدة، في ظل هذه الهشاشة والخفة غير المتوقعة لأنظمة كنا نحسبها راسخة رسوخ الجبال، باقية بقاء الحياة، برزت الكويت صلبة قوية متماسكة، لا يمكن تفسير الأمر بمقولاتنا المزدهرة في مثل هذه الأوقات من السنة، كالوحدة الوطنية وعدم تفرقة الغازي بين الكويتيين، أو بإرجاعه لحكمة أفراد وقدراتهم فقط، فهذا كلام لا يقدم كثيراً ولا يفسر واقعاً، فالصراع والاختلاف والتنافس بين البشر أمر طبيعي وفطري، وحكمة الأفراد وهيبتهم وقدراتهم متغيرة بتغيرهم، وصحيح أيضاً أننا لا نعاني من مشاكل وقضايا حقيقية بقدر ما نعاني من مناكفات واستفزازات متبادلة من سياسيين نظنها نحن سياسة مرجعها الفعلي سوء إدارة للمواهب، فالسلطة تسيء إدارة أموالنا ومواردنا، والنواب يسيئون استخدام ألسنتهم وشعبيتهم، لكن حتى الثورات الأخيرة لم تكن على الجوع أو بسبب خلاف أيديولوجي بقدر ما هي ثورات على الملل وسوء الإدارة المزمن، تبقى العبرة إذاً في آلية إدارة هذا الصراع والاختلاف، والكويت اليوم واحة استقرار نسبي لوجود دستور واضح يحدد اتجاهات وشكل الصراع وينظم العلاقات ويضعها تحت النور رغم كل شوائب التطبيق، الفكرة ليست جديدة أو طارئة فنحن نوقنها منذ نشأنا، لكن الآن هو الوقت المناسب تماماً لتذكير كل من كانوا يحذرون من اهتزاز استقرار وصورة الكويت بسبب الديموقراطية والحرية وآلياتها، حيث الآن أشعلت الأنوار وتغير التاريخ مؤذنا بتغير الجغرافيا ربما وما عليهم إلا مراجعة أفكارهم وقناعاتهم، دستور زمن عبدالله السالم نور كاشف حمانا جميعاً اليوم حكاماً ومحكومين من حياة الليل التي قد تمنح المتع لساعات طوال لابد أن تنقضي كما علمنا ومازال السيد التاريخ المحترم.





فهـد البسـام

[email protected]