أماكن / الحيوان ... محاولة لفهم الغرض (4)

1 يناير 1970 10:50 ص
| جمال الغيطاني |

... ثم الجاحظ يتحدث عن أقسام الكائنات، وتقسيم الحيوان والنبات، وتقسيم الطير، وتقسيم الحيوان الى فصيح وأعجم، وفي هذا الجزء يستوقفنا حديثه عن الانسان في اطار حديثه عن الحيوان، لنصغ الى ما يقول:

«والانسان فصيح، وان عبر عن نفسه بالفارسية أو بالهندية، أو بالرومية، وليس العربي أسرأ فهما لطمطمة الرومي من الرومي لبيان لسان العربي، فكل انسان من هذا الوجه يُقال له فصيح، فاذا قالوا: فصيح وأعجم، فهذا هو التأويل في قولهم أعجم، واذا قالوا الحرب والعجم ولم يلفظوا بفصيح وأعجم، فليس هذا المعنى يريدون، انما يعنون أنه لا يتكلم بالعربية، وأن الحرب لا تفهم عنه».

ثم يتحدث عن وسائل البيان من لفظ، وخط، وعَقْد، واشارة، ثم يتناول ما يعجز عنه الانسان مما قدر عليه الحيوان، ويعود مرة أخرى الى مزج الهزل بالجد في الكتاب، ويبدو في الحاحه على هذه النقطة كأنه يقدم تبريرا لما يقدمه الى القارئ من مُلح ونوادر، لكن في هذه الفقرة بالذات يسفر بقدر عن أهدافه من «الحيوان»، لنصغ اليه.

«وهذا كتاب موعظة وتحريف وتفقه وتنبيه، وأراك قد عبته قبل أن تقف على حدوده، وتتفكر في فصوله، ونعتبر آخره بأوله، ومصادره بأوله وقد غلَّطك فيه بعض ما رأيت «في اثنائه» من مزح لم تعرف معناه، ومن بطالة لم تطلع على غَورها، ولم تدر لِمَ أُجتلبت؟، ولا لأي علة تكلفت، وأي شيء أريغ بها، ولأي جد أُحتمل ذلك الهزل، ولأي رياضة تجشمت تلك البطالة، ولم تدر أن المزاح جد اذا أجلب ليكون علة للجد، وأن البطالة وقار ورزانة، اذا تكلفت لتلك العاقبة، ولما قال الخليل بن أحمد: لا يصل أحد من علم النحو الى ما يُحتاج اليه، حتى يتعلم مالا يحتاج اليه، قال أبوشمر: اذا كان لا يتوصل الى ما يحتاج اليه الا بما لا يحتاج اليه، فقد صار مالا يحتاج اليه يحتاج اليه، وذلك مثل كتابنا هذا».

ثم ينتقل الى مدح «الكتاب» عموما، انه يخاطب شخصا لا نعرفه يبدو أنه وجد نقدا الى مؤلفات الجاحظ، لا يفصح عن شخصية المخاطب، وبالتالي لا نعرف، أهو شخص بعينه، أو اتجاه، أو آراء معارضة، وأيا كانت الحال، فلابد أن معنى ما كان في ذهن الجاحظ هو الذي دعاه الى تخصيص هذه الاشادة بالكتب.

ثم لم أرك رضيت بالطعن على كلّ كتاب لي بعينه، حتى تجاوزت ذلك الى أن عبت وضع الكتب كيفما دارت بها الحال، وكيف تعرفت بها الوجوه، وقد كنت أعجب من عيبك البعض بلا علم، حتى عبت الكل بلا علم، ثم تجاوزت ذلك الى التشنيع، ثم تجاوزت ذلك الى نصب الحرب فعبت الكتاب، ونعم الذخر والعقدة هو، ونعم الجليس والعدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخيل، ونعم الوزير والنزيل، والكتاب دعاء مليء علما، وظرف حيثي ظرفا، واناء شحن مزاحا وجدا».

ويمضي الجاحظ في حديثه عن الكتاب الذي لم أقرأ أمتع منه في أي مصدر آخر قديم أو معاصر، ثم يتحدث عن حاجة الناس الى الاجتماع، وضرورة البيان للاجتماع، وخطوط الهند، ونفع الحساب، الى أن يصل الى نفع الحساب، وهنا يبدأ الحديث عن فضل الكتابة، وهذا الجزء يتناول أدق أسرار التأليف والابداع، نعم... هذا ما نجده في تلك الموسوعة المعنونة بالحيوان!