عبدالله زمان / وبناءً عليه / «فشّرها كوّيس»

1 يناير 1970 06:56 ص
حتى نستطيع أن نستوعب ما يجري بمصر، علينا اكتشاف دوافع ما جرى وأن نبحث عن الأسباب التي دفعت الشعب إلى الغضب العارم ابتداء من يوم «جمعة الغضب» وصولاً إلى المظاهرات المليونية.

إن أوّل أرضية انطلقت منها شرارة المظاهرات هو كون غالبية الشعب تحت خط الفقر منذ زمن بعيد، وهذا ما كان يراه السائحون في مصر بأم أعينهم. فإمّا الفقر الشديد المنتشر بأكثر من نصف سكان مصر، وإما الثراء الفاحش لنسبة قليلة جداً من هذا المجتمع. وأحسب برأيي المتواضع، أن هذا السبب هو ذاته الذي أشعل جذوة الثورة التونسية حتى أتت أُكلها، وبالتالي عرف الشباب المصري الطريقة المثلى حينما رآها فاعلة قبل أسبوعين مع «بن علي». ومن هنا، فإن أدوات القياس القديمة من أمثلة «نجَوع الشعب، ليسكت» ما عادت تجدي في عصرنا هذا.

من جانب آخر، فإن تداعيات السياسة الخارجية، خصوصاً المواقف الأخيرة للجمهورية العربية المصرية من المقاومة في فلسطين وهنا أعني تحديداً معبر رفح والأخوان المجاهدين في غزّة، فهذا ترك أثراً سلبياً لدى النفوس الإسلامية والعربية التي تتوق عشقاً للحرية والعزة والكرامة، وبالتالي ترك هذا الموقف المصري السلبي تجاههم والإيجابي تجاه دولة العدو «إسرائيل» أثراً عالياً لخلق مشاعر البغضاء والكراهية تجاه كل الأنظمة العربية التي تساعد بشكل غير مباشر، أو بشكل مباشر كمشاريع بيع الغاز مثلاً مع الكيان الصهيوني.

وحتى لا أتوسع أكثر بالتحليل، نظراً لضيق المساحة المتاحة هنا، أعتقد بأن الربط بين السببين هو ربط منطقي جداً. ويأتي الترابط الوثيق كونهما يحاكيان الوجدان والكيان الإنساني للفرد المسلم والعربي وما يحمله من نزعة العزة والكرامة والأنفة وهي الصفات التي نما وترعرع عليها المسلمون من قبل، والعرب من بعدهم والأشمل من ذلك، صفات كل أحرار التاريخ بمختلف دياناتهم ومذاهبهم. أماّ بالنسبة لنا كمسلمين، فمضامين الأحاديث النبوية الشريفة تحدثنا بأن السعي للحصول على لقمة العيش هو جهاد بعينه تماماً كمقارعة الظلمة والطواغيت والحكومات المستبدة.

ولأن الله سبحانه بصير بالعباد، فإن مقتضى العدالة الإلهية فرضت نفسها في إلهام الشعب التونسي برفض القمع والإذلال الممارس عليه من لدن صاحب الذلة والمهانة المخلوع «بن علي»، تماماً كما يحدثنا التاريخ بانقلاب الشعب المصري على مَلَكِيّة الجنون والعظمة في ثورة الضباط الأحرار. والنتيجة، فإن انتصار الشعوب وإرادتهم المجتمعة سوف تحكم الموقف إن طال الزمن أو قصر.

إن أوّل تعريف مبدئي للدولة هو عبارة عن أرض، يسكنها شعب، وله نظام. المقصود هو وجوب توافر الأضلاع الثلاثة لهذا المثلث حتى نستطيع أن نسمي تلك البقعة بالدولة. المشكلة المتأصلة لدى القيادات الديكتاتورية بأنهم يُركّزون على ضلعين فقط من هذا المثلث، وهما الأرض والنظام حتى لو احترق الضلع الثالث بأكمله. وما لا أفهمه هو كيف لبعض بني البشر تصديق أنفسهم بأنهم حكّام لشعب لا يريدوهم، ولا يتراجعون ولو احترق الشعب كله برمته ليصبح حاكماً للرمل والحصى.

فمن يستطيع أن «يفشّرها كوّيس»؟





عبدالله زمان

كاتب كويتي

[email protected]