قد تكون فترة بين الشوطين مناسبة للمراجعة، من يدري، فالوضع وصل مشارف مرحلة الانسداد الحرجة، وعواقب أي انسداد كانت دائماً ضارة وغير محمودة، من أهم أسباب ديمومة تأزم الوضع السياسي غياب المبدأ والمسطرة الواحدة، وهذا مرض عام معدٍ للأسف أصاب الجميع بلا استثناء وإن كان على درجات مختلفة وبشكل متباين، لكن كلٌ مر عليه المرض، الشخصانية اليوم هي المبدأ والمبدأ هو الشخص، فالنائب أو السياسي قبل عربة المبدأ، وهنا الإشكالية، والكُتّاب وقادة الرأي والإعلام المقروء والمرئي المفترض بهم أن يكونوا أدوات توعية وكشف صاروا أدوات تضليل وتمويه بيد النواب والساسة على الجماهير، فيكون تقدير حجم الخطأ وحجم المساءلة السياسية والحملة الإعلامية متوقفا على حجم الشخص المنسوب إليه الخطأ لا على الخطأ ذاته وهنا مربط كل الخيول، والجميع يمارس ازدواجية المعايير ويلعب على الذاكرة الضعيفة، فاستجواب وزير على شكة الإبرة مستحق لكن تجاوزات وزارة أخرى لها ما يبررها، غض النظر عن عجز وزير عن تطبيق القانون له حساباته لكن تراخي آخر لا يغتفر، وهكذا، حمار الشخص قبل عربة المبادئ، هذا هو ما يحدد شكل أزماتنا ومستقبلها.
ومع تفشي المرض والاعتياد عليه، وهو مرض اجتماعي نفسي أساساً فإنه لابد أن يصيب الحكومة الموقرة، فصارت مثل البقية رغم افتراض حيادية قراراتها وتعاملها، فتقلبات وانتهازية النواب مقدور عليها ويمكن فهمها ومحاسبتهم عليها كما أنهم لا يملكون إلا الأصوات العالية والوعود، أما الحكومة فهي تمنح وتمنع وتنفذ وتؤخر وتحكم وبيدها كل الخيوط ولا تتغير، فجميع حكومات الكويت في حقيقتها هي حكومات تصريف أعمال، لا يشكلها أحزاب فائزة ولا تراعي أيديولوجيات غالبة، حكومة يرأسها «شيخ» يفترض فيه وفيها الحياد وتطبيق القوانين على الجميع حتى تحوز ثقة الجميع، نوابا ومواطنين، وبالتالي فالحكومة هي من يفترض بها أن تسعى لحماية دولة ومبدأ القانون ولا تحاول تمييع القضايا والمواقف بما يتناسب مع الأوضاع والأشخاص حتى لا تهتز ثقة الناس بها ببساطة، وفي الأحداث المتتالية الأخيرة حاولت الحكومة جاهدة الدفاع عن رئيسها أو وزير داخليتها عبر بياناتها أو وسائل إعلامها أو حتى نوابها المتضامنين معها، بالتقليل تارة من قيمة الحدث أو بالتشكيك بنوايا الأطراف الأخرى، أما التشكيك بالأطراف الأخرى فنحن نتفق مع الحكومة تماماً كما أسلفنا فكل الأطراف لا مبدئية لكنها تتصيد لبعضها البعض بما هو أقل مما ارتكبته هي ذاتها، فنحن بين استبدادين أمر من بعض، لكن الحدث وقيمته وعواقبه هي المبدأ ولا يعنينا الأشخاص، بالتأكيد لن يكون حسين مزيد مثلاً أكثر وطنية ونزاهة من سعدون حماد لكننا لا يجب أن نرضى بضرب الناس، بالتأكيد موقف مسلم البراك لن يكون بهذه الحدة لو كان القتيل من غير قبيلته لكننا لن نرضى بخطف الناس وقتلهم ممن يفترض فيهم حمايتهم، مثلما لا يعنينا من استلم الشيكات وأين صرفها فالمفترض ألا توجد شيكات أصلاً، وإن تعذر بعد ما بُحت أقلامنا على الحكومة معرفة قيمة المبادئ وأهميتها واستيعاب ما نعني فلا يسعنا بعدها إلا أن نطالبها ونوابها الضامنين بدعوة القوات الخاصة لأحد اجتماعاتهم للقيام «بأنشطتها» معهم ثم التوجه بهم من قبل المباحث العامة لمنطقة الجواخير في جولة حرة وعندها سيعرفون بالتأكيد ماذا نعني وتعني لنا كلمة... مبدأ!
***
مزايدة أخيرة: بما أن المنحة الأميرية سيستحقها من توفي بعد سماعه بها فأقترح أن يستحقها أيضاً من حملت به أمه قبل سماعها بالمنحة... فالحي أبقى من الميت.
فهـد البسـام
[email protected]