بحث عن توافق حكومي- نيابي يستثني رأي «المركزي» والبنوك

«آلية التمويل» تفيق من سباتها

1 يناير 1970 02:18 م
| كتب المحرر المصرفي |
خمسة أشهر مرت على تشكيل اللجنة المكلفة بوضع تصور لآلية تمويل مشاريع خطة التنمية الحكومية، تحت العنوان العريض الذي أقرته الحكومة «من خلال القطاع المصرفي، وتحت رقابة بنك الكويت المركزي».
كان من المتوقع أن تنجز المهمة خلال أسبوع أو أسابيع، لكن الوقت تطاول وظلت نقاشات اللجنة التي تضم بنك الكويت المركزي وعدداً من الوزارات المعنية والأمانة للمجلس الاعلى للتخطيط بعيدة عن الإعلام، ولم يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في المهمة الجدلية.
خلال الأسبوع الماضي، عاد الملف إلى دائرة الاهتمام العام لكن بعيداً عن التداول الإعلامي، بالتزامن مع تقديم الحكومة لتقريرها نصف السنوي الأول عن مسار تنفيذ خطة التنمية، وإنجازها الخطة السنوية الثانية في إطار الخطة التنموية.
تشير المعلومات إلى أن اللجنة لم تتوصل إلى أي شيء، بسبب استمرار التباين بين تصورات البنك المركزي وتصورات بعض الجهات الحكومية الأخرى، وتحديداً فريق نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية وزير الدولة لشؤون التنمية وزير الدولة لشؤون الإسكان أحمد الفهد.
وحدا هذا التباين الذي ظهر في الاجتماعات الأولى بالبنك المركزي إلى تقدمه بتصور مستقل، مستوحى من العناوين التي أعلنها المحافظ الشيخ سالم عبد العزيز الصباح صراحة عبر «الراي» وفي مناسبات عدة لاحقاً. ويتمسك تصور «المركزي» ببقاء سوق الائتمان موحداً وتحت رقابة «المركزي»، مع توفير أدوات تيسيرية (1) لتوفير مصادر التمويل من خلال تعزيز مصادر الإيداعات الحكومية وسواها، (2) وتحفيز البنوك على الإقراض، (3) وخفض تكلفة القروض (4) وإطالة أمدها.
في المقابل ظل فريق الفهد مصراً على عدم الاستغناء عن مبدأ «التمويل التنموي الطويل الأمد»، وهو الاسم «الترويجي» البديل لـ«التمويل الحكومي المدعوم»، باعتبار أن الاعتبارات التي تحكم إدارة البنوك لمحافظها الائتمانية وسلم الاستحقاقات والمطلوبات قد لا تسمح بإطالة أمد القروض وتخفيض تكلفتها من خلال السوق الائتماني العادي، ما لم تحظ التمويلات بدعم من العضلات المالية الحكومية.
لكن هذا التباين لم يخرج إلى العلن على ألسنة المعنيين به. لكن الأمور قد لا تبقى تحت هذا السقف من التحفظ طويلاً. ففريق الفهد يتصرف منذ فترة كما لو أن اللجنة ليست الإطار الذي يستأهل الاعتناء بإنتاج التوافق داخله، طالما أنها ليست بالإطــــار التنفيذي ولا بالتــــشريعي.
وهكذا تبين أن فريق الفهد يسعى إلى تأمين دعم نيابي كافٍ لتصوراته المتعلقة بتمويل المشاريع، حتى لو لم تُرضِ الخلاصة البنك المركزي ووحدات الجهاز المصرفي. بل إن مصادر بين السياسة وتذهب أبعد من ذلك، فترى أن بعض الجهات الحكومية ربما تريد لسبب سياسي أن يكون «التمويل التنموي» منة حكومية، لا نشاطاً معتاداً
وتشير مصادر حكومية إلى أن الفهد توصل بالفعل إلى توافقات مع بعض القوى النيابية خلال الشهر الماضي، بما يتيح له تمرير تصوراته حين توضع ميزانية 2012/2011 والخطة السنوية الثانية على طاولة البحث أمام اللجنة المالية البرلمانية، ومن ثم أمام الهيئة العامة. لكن المصادر نفسها لا تخفي قلقها من أن تكون الحسابات السياسية قد تغيرت في الأسابيع الأخيرة، على نحو يجعل تلك التصورات تمر بقدر أقل من التوافق، وبقدر أعلى من الصخب.
وتقوم تصورات فريق الفهد على بضعة عناصر:
- التمييز بين «التمويل التنموي» و«التمويل التقليدي» المطلوبين لمشاريع التنمية.
- حصر «التمويل التنموي» بمشاريع محددة، وشركات محددة هي الشركات التي ستطرح في المزايدات العلنية.
- تنفيذ عمليات «التمويل التنموي» من ضمن آليات القطاع المصرفي، وتحت رقابة البنك المركزي.
وتحت هذه العناوين يتم تداول أفكار عديدة، وأحياناً متباينة، تتراوح بين التمويل المشترك بين البنوك والدولة تحت إدارة البنوك، أو تقديم الأموال من الدولة ودراسة الملفات وإدارتها من قبل البنوك.
ومع أن فريق الفهد يعمل على تأمين الموافقة النيابية على تصوراته، فإنه يبدو حريصاً على تمريرها بهدوء وعدم إثارة حفيظة «المركزي» وبنوك كثير. وفي سبيل ذلك يمكن القبول بالمحافظة على أكبر قدر من المواءمة بين «التمويل التنموي» وسوق الائتمان العادي، للحؤول دون نشوء سوق ائتمان موازٍ خارج عن رقابة البنك المركزي.
وفي سبيل ذلك أيضاً، ستنحى جانباً فكرة «السوبر بنك» المدعوم بالعضلات المالية الحكومية، سواء تجسدت برفع الصندوق الكويتي للتنمية إلى 10 مليارات دينار لإقحامه في سوق الائتمان المحلي، أو بإنشاء صندوق الكويت للتنمية، أو بتأسيس بنك الكويت للتنمية.
لكن المطلوب بالنسبة للبنك المركزي قد يكون أكبر من مراعاة خاطره في بعض الجوانب. ذلك أن القرارات المتعلقة بسوق الائتمان تدخل في صلب اختصاصاته، ومن غير المتوقع أن يسلّم «المركزي» بتدخل حكومي- نيابي في تنظيم هذا السوق وآليات عمله من دون موافقته أو الرجوع إليه.
خلاصة الأمر أن تباين المقاربات في معالجة موضوع تمويل خطة التنمية سيعود إلى الظهور على سطح الأحداث عندما يناقش مجلس الأمة «الخطة السنوية الثانية» وموازنة السنة المالية المقبلة. فهل يتجاهل اللجنة المالية البرلمانية رأي «المركزي» في شأن يتعلق بسوق الائتمان، كما سبق أن تجاهلت رأي «غرفة التجارة» حين ناقشت اقتراح القانون المتعلق بها؟