| د. محمد حسان الطيان |
لحرف اللام في العربية معان كثيرة، تصل إلى نحو الثلاثين معنى، ذكرها علماء النحو والأصول والتفسير، وأفردها بعضهم بالتأليف والتصنيف، كما صنع الزجاجي في كتاب اللامات، ومن هذه المعاني معنى لطيف دقيق هو معنى التعليل، وهو الذي قصدته في عنوان هذا المقال، الحب للحب، أي حب امرئ أو شيء من أجل خاطر المحبوب، ولعل خير من عبَّر عن هذا المعنى، أبو فراس الحمداني حيث يقول:
ومن مذهبي حبُّ الديارِ لأهلها
وللناس فيما يعشقون مذاهبُ
فهو يحب الديار من أجل أهلها، والعامة عندنا في الشام يقولون: «كرمال عين تكرم مرج عيون» أي من أجل عين واحدة تكرم عيون كثيرة.
وقد تناول شعراؤنا هذا المعنى، معنى الحب الذي يتعدّى المحبوب إلى كل ما له علاقة بهذا المحبوب، سواء كان دارا أو شخصا أو قبيلة أو ناقة..
فهذا المتنبي يعلنها قاعدة لا تقبل النقاش وهي أن حبيب الحبيب حبيب:
وَإِنّي وَإِن كانَ الدَفينُ حَبيبَهُ
حَبيبٌ إِلى قَلبي حَبيبُ حَبيبي
وهذا البرعي يحب الابن لمحبة أبيه:
أَبوك حَبيبي قدس اللَه روحه
وَأَنتَ ابنه وابن الحَبيب حَبيبُ
وذاك مجنون ليلى يحب لأجلها كل من سكن في تلك الربوع:
فَيا ساكِني أَكنافِ نَخلَةَ كُلُّكُم
إِلى القَلبِ مِن أَجلِ الحَبيبِ حَبيبُ
وهذا شاعر آخر لا يترك شيئا يتعلق بمحبوبه إلا أحبه:
وأحبُّها وأحب منزلَها الذي
نزلتْ به وأحبُّ أهلَ المنزلِ
أما خالد بن يزيد بن معاوية فقد أحب قبيلتين من أجل عيون حبيبته:
أحبُّ بني العوام من أجل حبها
ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
وتروي لنا كتب الأدب أن عروة كان يحب عفراء، وفيها يقول:
يا رب يا رباه إياك أسلْ
عفراء يا رباه من قبل الأجل
فإن عفراء من الدنيا الأمل
ثم خرج، فلقي حماراً عليه امرأةٌ، فقيل له: هذا حمار عفراء فقال:
يا مرحباه بحمار عفراءْ
إذا أتى قربته لما شاءْ
من الشعير والحشيش والماءْ
فرحب بحمارها لمحبته لها، وأعد له الشعير والحشيش والماء.
ونظير معناه قول الآخر:
أحب لحبها السودان حتى
أحب لحبها سود الكلاب
على أن المنخّل اليشكري سبق كل هؤلاء حين زعم أن الحب لم يقتصر عليه وعلى محبوبته بل تجاوزهما إلى الناقة والبعير:
وأحبّها وتحبُّني
ويحبّ ناقتَها بعيري
وبعد فما أجمل أن يتسع نطاق الحب، فلا يقتصر على المحبوب، بل يتعداه إلى كل ماله علاقة به، من قريب أو بعيد، بدءاً من أهل الزوجة - وأهل الزوج - «بيت الأحماء» ومرورا بقبيلتها وأهل بلدتها، وانتهاءً بناقتها وسيارتها!
* منسق مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة
[email protected]