د.عبداللطيف الصريخ / زاوية مستقيمة / فما في النار للظمآن ماء!

1 يناير 1970 03:39 م
قلمي يتلفت يمنة ويسرة، حائر في عالم اختلطت فيه الموازين والمفاهيم، عالم تم فيه تخوين الأمين، وتأمين الخائن، ونصبت فيه مشانق لأصحاب الرأي، وسلطت عليهم كل الوسائل الشرعية وغير الشرعية لمتابعة ما يكتبون وينشرون، ولو استطاعوا لأحصوا أنفاسهم، ومنعوا عنهم الهواء والماء، وكل وسائل الحياة الكريمة.

عاندت قلمي، وأجبرته على كتابة ما يجول في خاطري، فصرخ في وجهي، وقال هل تريدني أن أكتب وقد اغتيلت الكرامة، وانحدرنا في مستوى الحريات إلى درجات غير مسبوقة، وكل ذلك بفضل حكومة حرصت على تكميم الأفواه، ومطاردة أصحاب الفكر الحر، وترديد اسطوانة «دولة القانون» متى ما أرادت.

إعلامنا الرسمي وغير الرسمي- إلا ما ندر- بات يشوّه الحقائق، ويتعامل مع مشعوذي السياسة وتجار الدين والوطنية والليبرالية وحقوق الإنسان، ويعلي شأنهم في البرامج الحوارية، بينما يقبع في السجن عباقرة من أمثال الدكتور عبيد الوسمي.

أرجوك اتركني، هكذا قالها قلمي بكل صراحة، فنظرت إليه نظرة المعاتب، فطأطأ رأسه ونزلت من عينيه دمعة قهر على حقوق إنسان انتُهِكَت، وكرامة لم ينتفض لها من كان يفترض بهم أن ينهضوا للدفاع عنها، وأَجْلَبوا عليها بخيلهم ورَجِلِهم، حماية لرئيسهم وسيدهم ورب نعمتهم، وماذا يضيره لو اعترف بخطئه بل خطيئته بادىء الأمر؟ من دون تبرير أو تلفيق أو قلب للحقائق، ماذا يضيره لو اقتص من المتسبب الحقيقي في ما حدث؟

ماذا يضيره لو طبق قانون المرئي والمسموع بصيغته الحالية من دون سعي للمزيد من التضييق على الحريات، ماذا يضيره لو سعى للقيام بدوره في الحفاظ على الأمن الاجتماعي، وإيقاف خطابات الكراهية، وزرع بذور الطائفية والفئوية، وصلب البشر فوق الطاولات المستديرة، وبدم بارد من مذيعي سنة أولى إعلام، وكتاب وسياسيين عافتهم ألسنتهم وطلقتهم أقلامهم بالثلاث وهربت منهم «كيبورداتهم» هلعا مما يكتبون ويكذبون، مجموعة من البشر يمتهنون تزوير التاريخ، وهي مهنة لها سوق رائجة هذه الأيام في القنوات الفضائية والمنتديات الإلكترونية، مهنة لا تحتاج لأي مهارة سوى ترديد كلمات مثل: هؤلاء مؤزمون، نريد تنمية ولا نريد استجوابات، هؤلاء يريدون رأس الرئيس.

لقد نسوا أو تناسوا أن المسألة مسألة كرامة، والقضية قضية حريات، وهي قضايا لا تقبل القسمة على اثنين، ولكنهم لا يعرفونها، أو فقدوها ليلة أربعاء ذات خمارٍ أسود، وصدق الشافعي حين قال: فما في النار للظمآن ماء.





د.عبداللطيف الصريخ

كاتب كويتي

Twitter : @Dralsuraikh