رؤى / شعراء المعلقات الجاهليون ... امرؤ القيس

1 يناير 1970 04:28 ص
| لطيفة جاسم التمار |

حرصت القبائل الجاهلية أن يخرج منها شاعر فحل يتحدث باسمها، فكثيرا ما كانت تقام الاحتفالات وتعد الولائم بنبوغ الشعراء فيها، فكان الشعر هو الوسيلة الأكثر قوة في الوصول إلى معظم القبائل العربية المجاورة، فهو يعد الوسيلة الإعلامية المثلى في ذاك الزمان، وكانت عادة ما تبدأ قصائدهم بالبكاء على الاطلال على منازل أحبابهم المهجورة، وكعادة العرب التنقل والترحال من مكان إلى آخر طلبا للماء والكلأ، فإن جفت الأرض التي يسكنونها تنقلوا إلى أرض أكثر عطاء فعند ما يمر الشاعر بمكان مسكنه أو مسكن محبوبته القديم يرى الآثار الباقية فيبكي ويحيي المكان. ومن هنا اكتسب الشعر الجاهلي متانة الألفاظ وجزالتها، وأصالة التركيب من وعورة البيئة وطبيعتها ولذلك سمى الشعر بديوان العرب. وقد قسم الشعراء ُ الجاهليون إلى طبقات ثلاث: الطبقة الأولى تشمل امرؤ القيس وزهير والنابغة، والطبقة الثانية تتمثل في الأعشى ولبيد وطرفة، والطبقة الثالثة تشمل عنترة ودريد بن الصمة وأمية ابن أبي الصلت، وهذا التقسيم قائم على الذوق واختلاف الأحكام في الجاهلية. ونحن في هذا المجال نحاول أن نتعرف على شعراء المعلقات ونبدأهم بالأمير امرؤ القيس ذي القروح جندل بن حجر الكندي، سليل الملوك، عاش حياة اللهو واللعب وقول الشعر، ولما أطلق لنفسه عنان المجون طرده أبوه فراح يهيم في البراري حتى سمع خبر مقتل والده فقال مقولته الشهيرة « ضيعني أبي صغيرا، وحملني دمه كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر، وغدا أمر». فعزم الأمر على الأخذ بالثأر، واستطاع الوصول إلى كسرى أنو شروان فأمده بجيش فسار في القبائل يطلب النصر، ونزلت بامرؤ القيس علة أصابته بجلده فتقرح كل جلده، وقد أوشى به قيصر الروم فبعث له ببدلة عسكرية مسمومة، وهذا ما يدل على قوله:

لقد طمح الطماح من نحو أرضه

ليلبسني من دائه تلبسا

وبدلت قرحا داميا بعد صحة

فيالك نعمي قد تحولت أبؤسا

فلو أنها نفس تموت سوية

ولكنها نفس تساقط أنفسا

كانت نشأة امرؤ القيس بين أعرق قبائل نجد واليمن بين العرب الخلص فصقلت موهبته ونهل منهم الكثير من مجالس الشعراء، استقى منهم الكثير فقال الشعر وهو في سن صغيرة، فكان يصف ببلاغته وجزالة ألفاظه وبديع خياله وإجادة الصناعة في شعره، فقيل انه أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار، وهذا ما ميز الشعر الجاهلي وأصبح احدى ركائزه. وصف شعر امرؤ القيس بغزل النساء ووصف الخيل والليل، وهذه كانت أبرز عناصر الشعر الجاهلي، لما توفره البيئة البرية الفقيرة من مقومات. ومن أبرز نجاحات امرؤ القيس معلقته التي صارت كالمثل عند العرب، قالها في حادثة بينه وبين ابنة عمه، وفيها وصف مفصل لليل والفرس وذكر الصيد واللهو والمجون الذي لازمه فترة طويلة من حياته. قال في مطلعها المشهور الذي يعرفه معظم العرب.

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

ويستطرد في غزله قائلا:

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت هجرة فأحملي

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعل

وما ذرفت عيناك إلا لتضربي

بسهمك في أعشار قلب مقتل

فإن كنت قد ساءتك مني خليقة

فسلي ثيابي من ثيابك تنسل

تسلت عمايات الرجال عن الصبا

وليس فؤادي عن هواها بمنسل

ويسترسل امرؤ القيس في وصف الليل في معلقته قائلا:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليبتلي

فقلت له لما تمطى بصلبه

وأردف أعجازا وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا أنجلي بصبح،

وما الإصباح منك بأمثل

وقال واصفا جواده في معلقته:

وقد اغتدى والطير في وكناتها

بمنجز قيد الأوان هيكل

مكر مفر مقبل مدبر

كجلمود صخر حطه السيد من عل

له أيطلا ظبي وساقا نعامة

وإرخاء سرحان وتقريب تتفل

هذا المقال أول المقالات في سلسلة من مقالات قادمة إن شاء الله عن الشعر الجاهلي، أرجو من قرائي الأفاضل الاستفادة منها في التعرف على تراثنا العربي الأصيل، والشكر الجزيل لكل من طلب التعرف على هذا التراث الغزير الذي تحفظه لنا أمهات الكتب العربية.





* ماجستير أدب عربي

[email protected]