الذكرى الثالثة لاغتيال الحريري: «حشد مليوني» أعاد «الشباب» لـ «ثورة الأرز» «ثقل» مسيحي وازن و«طوفان ناس» ربط الشمال بالعاصمة وتحدّى الأمطار

1 يناير 1970 01:09 م
|بيروت - من ليندا عازار|

«مكسورة الخاطر» و«مرفوعة الرأس»... هكذا بدت بيروت امس في يوم تجديد الوفاء لـ «دولة الشهيد» الرئيس رفيق الحريري في الذكرى الثالثة لاغتياله في 14 فبراير 2005.  بيروت التي ضاقت بـ «الحشد المليوني» الذي «زحف» الى «ساحة الشهداء»، رفعت الرأس عالياً في وجه «كأس الدم» الذي يراد لها ان تتجرعه «كالسمّ»، فاذ بها تشرب معه «نخب الشهادة».

مئات الآلاف عادوا امس الى «ساحة الحرية» التي دقت فيها «ساعة» الاستقلال الثاني في 14 مارس 2005 فأعادوا «الشباب» الى «ثورة الارز» وربيعها الذي لا يزال «يزهّر» شهداء.

«روّضوا» الرياح العاتية و«صهيلها» براياتهم التي رفرفت عالية، وردّوا «تحدي» الامطار الغزيرة بـ «طوفان» ناس غمر «ساحة الشهداء» التي استعادت «روح الثورة». جرفوا الثلوج التي قطعت الطرق الجبلية (ابتداءً من ارتفاع 1300 متر)، ونزلوا «الى الساحة» في «بحر» بشري جارف اعاد الى الاذهان مشهد «انتفاضة الاستقلال» التي ولدت في رحم «زلزال» 14 فبراير. من «كل لبنان» تقاطروا الى قلب بيروت، لا سيما من الشمال والجبل والبقاع، ليُحيْوا ذكرى ويُحيّوا 9 شهداء آخرين سقطوا في ثلاثة اعوام «حبلت» بالموت و«رقصت على حباله».

«لعيونه» نزلوا، وعندما «عاد اليهم» نصباً (في موقع اغتياله) هو الاضخم في لبنان، راحوا يناجونه «حبيب الروح» الذي غادرهم بعدما غدر به الارهاب فسقط «مارداً» في موكبه الذي تحوّل «رماداً».

«... ما حدا اكبر من البلد، ومش المهم مين بيبقى المهم يبقى البلد»، عبارة شعار صدحت بصوت «ابي بهاء» الذي أبى في «يومه» الا ان يطلّ من عليائه على «الحبايب» ليواسيهم ويُطمئنهم ان «اجراس العدالة» ستُقرع «على الأرض كما في السماء».

وسط اقفال عام وإجراءات أمنية استثنائية، لبّى مئات الآلاف نداء فريق «14 مارس» الذي نجح امس في «اختبار القوة» الشعبي الذي سارع الى توظيفه في الكلمات السياسية لأقطابه الذين عاودوا رسم «خطوط الدفاع» عن سلسلة عناوين ثوابت تتصل بالازمة الراهنة في لبنان وسبل الخروج منها ومواجهة «محاولة الاغتيال المستمرة لمسيرة الاستقلال».

«... من لبناننا لن ينالوا، الرئاسة (الجمهورية) الآن»، «كفى شهداء، كفى دماً، نعم للمحكمة»، «افتحوا البرلمان، حرِّروا الحكومة، انتخبوا رئيساً الآن». هذا غيض من فيض اللافتات التي رُفعت في «ساحة الشهداء» وحضرت على المنبر «المضاد للرصاص» الذي تعاقبت عليه 15 شخصية اطلقت سلسلة «لاءات» بوجه النظامين السوري والايراني، وحلفائهما في لبنان وضد القتل والاغتيال، في موازاة اكثر من «نعم» لانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية وانهاء الفراغ الرئاسي، ولكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري وسائر الجرائم المتصلة بها «فالمحكمة اتت والعدالة على الطريق». اضافة الى «نعم» كبيرة للبطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في وجه «الحملة المنظمة» عليه. مع العلم ان «سيد بكركي» حضر المناسبة هذه السنة في صور «عملاقة» ولافتات تأييد لمواقفه ومرجعية الكنيسة المارونية «الاستقلالية».

وفي حين تعانق امس مجدداً أصوات أجراس الكنائس والمآذن، لم يغب عن «الهدير» الشعبي وعناوينه «الصاخبة» في وسط العاصمة «العنوان الحدَث» الذي كان بدأ يجمع على بُعد كيلومترات قليلة، في الضاحية الجنوبية لبيروت، حشوداً ضخمة تدفقت للمشاركة في تشييع «الرأس» العسكري والامني في «حزب الله» عماد مغنية الذي سقط يوم الثلاثاء بانفجار في دمشق. وقد لفت تطرق كل من رئيس «كتلة المستقبل» البرلمانية النائب سعد الحريري ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط اليه «ضمناً»، الاول بعبارة «الله اعلم» (كيف اغتيل مغنية) والثاني بقوله «انهم ينهشون بعضهم البعض» (النظام السوري وحلفاؤه في لبنان). ورغم «اليد الممدودة» التي اصرّ النائب الحريري عليها في كلمته، فان الصور واللافتات التي كادت ان تضيع وسط غابة الاعلام الحزبية واللبنانية (انضمّ اليها العلم الجديد لـ «تيار المستقبل» بالازرق الداكن مع شمس على اطرافه، وشعار الامانة العامة لـ «14 مارس»، باللون الاحمر تتوسطه يد بيضاء وغصن زيتون)، لم توفّر من الانتقاد رئيس البرلمان نبيه بري بمحتجز الديموقراطية رهينة» (في اشارة الى قفل البرلمان منذ اكثر من عام) وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون «سفير ايران في الرابية»، من دون اغفال ان «حصة الأسد» من لافتات «التنديد» كانت للرئيس السوري فـ «المشنقة جاهزة والعدالة آتية».

ومن مفارقات يوم امس، الى جانب الحضور الشعبي الشيعي المناهض لـ «حزب الله» وحركة «أمل»، كانت الحشود الكبيرة لـ «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» خصوصا اهالي الشمال والمتن وكسروان الذين شكلوا سلسلة بشرية. وهو الأمر الذي اعتُبر بمثابة «استفتاء مسيحي» على خيارات العماد عون الذي كان من أبرز أركان «14 مارس» قبل ان ينخرط في تفاهم مع «حزب الله» ويصبح «في صلب المعارضة».

وقد شهدت منطقة جل الديب التجمع الاكبر في المتن لـ «حزب الكتائب» الذي حشد ثلاثة آلاف سيارة وباص للركاب نقلوا المشاركين الذين توافدوا من القرى والبلدات المتنية كافة حاملين «الإعلام اللبنانية» و«الكتائب» و«القوات» وصور الشهداء الرئيس بشير الجميل، الرئيس الحريري، الوزير بيار الجميل، النائب انطوان غانم الى وسط بيروت.

أما الاوتستراد الساحلي الممتد من الضبية حتى نهر الموت، فقد شهد حركة سير قوية وشكلت منطقة نهر الموت نقطة تجمع للوفود الآتية من الشمال وجبيل وكسروان والمتن لينطلقوا بعد ذلك الى ساحة الشهداء.

ونظرا لضغط السير على الطرق فقد تعذر على الآلاف الوصول الى ساحة الشهداء، في حين انتقل اليها آخرون خصوصا من مناصري القوات اللبنانية عبر 130 زورقاً بحرياً. وبينما بدأ الخطباء السياسيون يتحدثون في الحشود كانت الوفود «عالقة» في الطرق.

ورغم السيول والوحول التي تسببت ببرك مياه في الساحة وفي الطرق المؤدية اليها لا يبدو الناس مهتمين كثيرا بذلك بل يحملون اعلامهم ويلوحون بها ويهتفون شعارات مؤيدة لزعمائهم.

وبرز موكب سيارات وحافلات اتى من شمال لبنان وامتدّ على مسافة عشرين كيلومترا على الطريق السريع وانضمت اليه مواكب اخرى من مناطق جبيل وكسروان (شمال بيروت).

وقد تأخّر انطلاق الموكب بعض الوقت بسبب الثلوج التي كانت تقطع الطرق في قضاء بشري حيث معقل «القوات اللبنانية» الا ان المتظاهرين اصروا على جرف الثلوج والتوجه نحو بيروت.

كما شهدت طريق الشام (شرق بيروت) طيلة فترة قبل الظهر تدفق مواكب معظمها من منطقتي الشوف وعالية حيث معقل النائب وليد جنبلاط.

وغرقت الاعلام والقبعات التي كان يوزعها المنظمون على المشاركين في التجمع في المياه. الا ان الموزعين لم يتأثروا وما لبثوا ان استقدموا غيرها. ثم استقدموا عشرات المظلات التي راحوا يوزعونها على الناس بالاضافة الى اغطية من النايلون.

وسُجّل جراء زحمة الحشود تدافُع صوب المنصة التي تكلم منها الخطباء فلم يعد في امكان الذين يقفون في الصفوف الامامية التحرك وحصلت حالات اغماء عدة سارع الصليب الأحمر الى معالجتها. وفي موازاة «شلال الناس»، كانت الانظار مشدودة الى الاجراءات الامنية «فوق العادة» التي نفذها نحو 20 الف جندي في الجيش اللبناني وآلاف عناصر قوى الامن في بيروت ومحيطها وفي «ساحة الشهداء»، حيث شكلوا «جداراً امنياً» في المنطقة الفاصلة بين تجمع مناصري الاكثرية وساحة رياض الصلح «عاصمة» الاعتصام المفتوح للمعارضة منذ نحو 13 شهراً. وقد عُزز «الجدار الفاصل» بسواتر حديدية وأسلاك شائكة.

وفي بيت الكتائب المركزي في الصيفي تمركزت غرفة العمليات الامنية المركزية المكلفة متابعة نشاطات مهرجان 14 فبراير وضمت الى المسؤولين ومندوبي الجيش اللبناني وقوى الامن الداخلي ممثلين عن الاحزاب المنضوية الى قوى 14 آذار كافة.

وتم تجهيز غرفة العمليات التي اختيرت مطلة على ساحة الشهداء بوسائل الاتصال السلكية واللاسلكية والخلوية وقد جرت منها المتابعة الدقيقة لمختلف حركة الوفود من كل لبنان، وتلقت شكاوى المواكب التي شكت زحمة السير الخانقة منذ العاشرة صباحا في مناطق التجمع الرئيسية على مدخلي طرابلس الشمالي والجنوبي وجسر المدفون وصولا الى مفترق غزير - المعاملتين والضبية، الدورة والفوروم دو بيروت ومداخل العاصمة والمداخل الاساسية الى ساحة الشهداء.

وانتشر مئات من عناصر احزاب 14 مارس ووضعوا على أذرعهم شرائط زرقاء اللون عليها كلمة «انضباط».

وكان الجيش حدد في اطار الخطة الامنية «خطيْ سير» في مختلف المناطق لتجمعيْ «الساحتين» (الشهداء والضاحية) سلكته المواكب منعاً لأي احتكاكات بينها. مع العلم ان التجمعيْن اللذين شهدهما لبنان امس هما الأكبر في تاريخه ويُعتبران رقماً قياسياً عالمياً اذا تم قياسهما نسبة الى سكان لبنان (نحو 4 ملايين نسمة).

ويُذكر ان المهرجان الخطابي في «ساحة الشهداء» افتُتح بكلمة للشاعر طلال حيدر (شيعي) وتخللته تباعاً كلمات لكلّ من رئيس حركة «التجدد الديموقراطي» نسيب لحود، والنائب عاطف مجلاني، ورئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية علي الشيخ عمار، امين سر «حركة اليسار الديموقراطي» النائب الياس عطاالله، الامين العام لـ «حزب الوطنيين الاحرار» الدكتور الياس ابو عاصي، وزير الأشغال العامة والنقل محمد الصفدي، العلامة السيد علي الامين (الشيعي)، وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية جان أوغاسابيان، الوزير ميشال فرعون، الوزيرة نايلة معوّض، النائب باسم السبع، والرئيس الجميّل والنائب جنبلاط، والكنور جعجع، والنائب الحريري.

وقد اكد الرئيس الجميّل «اننا لن نتراجع ولن نيأس، وهذا الحشد اليوم ما هو الا رسالة للأقربين والأبعدين، للخارج والداخل، بأننا لن نخاف ولن نتراجع، مهما هددوا ومهما تفاقمت القوى المدعومة من الخارج وتسلحت بكل الوسائل»، وقال: «لن نقبل بالنظام الشمولي وان يفرضوا علينا ثقافة الموت والدمار والقهر».

اما العلامة الأمين فقال: «نقول لك ايها الرئيس الشهيد ان خط الاعتدال الذي أردته، وبان الوحدة الوطنية التي سعيت اليها، وبان بناء لبنان المستقبل واقامة دولة المؤسسات والقانون، ستبقى في حفظ وأمان. وهذا الوطن باق باجتماعكم وبجماعتكم، باق من خلال البطريرك صفير، والعيش المشترك. فليكن اللبنانيون اليوم كلهم مع خط الحريري خط الاعتدال، خط دولة الحرية والسيادة والاستقلال. ونقول لكل من ينفخ في ابواق الفتن، لن يكون لبنان العراق ولا افغانستان. ولذلك كانت العدالة التي طالبنا بها هي من اجل قيامة هذا الوطن لانه لا تقوم الاوطان الا من خلال العدالة والحق. ولا يوجد عيش مشترك من دون عدالة تضع حدا للاغتيال السياسي الذي يقوم به من اجل ان يفرض رأيه خارج دائرة دولة المؤسسات والقانون».


جعجع: مال إيران وخنجر الشام

لن يقويا على الكنيسة المارونية


«... لا تخافوهم رغم فجورهم وإجرامهم. وكنا نقول، المحكمة آتية واليوم نقول، المحكمة أتت». هكذا خاطب رئيس الهيئة التنفيذية لـ «القوات اللبنانية» سمير جعجع جموع «14 مارس» في يوم 14 فبراير اذ اعلن «قلتم بالشر المستطير، وبالويل والثبور وعظائم الأمور، فها نحن جئناكم نقول، أهلا بكم وبشركم وبويلكم وثبوركم وعظائم أموركم».

وقال جعجع متوجّهاً الى المعارضة: « لا لخيمكم وفوضاكم وغوغائيتكم وتعطيلكم ووعيدكم وتهديدكم»، مضيفاً: «لن نقبل بحرماننا من رئيس للجمهورية، ولن نقبل ببقاء بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) رهينة بين أيديكم، ولن نقبل بإعطائكم إمكان تعطيل الحكومة لتعطلوها، كما عطلتم مجلس النواب، والوسط التجاري وانتخابات رئاسة الجمهورية. حتى بكركي (مقر البطريركية المارونية)، تحاولون تعطيلها ولكن خاب ظنكم، لأن من خاض غمار التاريخ وأحداثه، ومن واكب شعبه على مر العصور وفي أصعب المحن، لن تقوى عليه زمرة فتيان. من أعطي مجد لبنان، لن يقوى عليه من أعطي مال إيران، وخنجر الشام».  اضاف: «تريدون المشاركة:أهلا وسهلا بكم، شاركونا نضالنا لتحرير قرارنا الوطني كليا وسعْينا لترسيم حدود بلادنا وترسيخ سيادتها واستقلالها نهائيا. شاركونا وجعنا ولا تتحالفوا مع قتلة شهدائنا والعابثين بأمن شعبنا. شاركونا سلاحكم وبقرار السلم والحرب. هذه هي المشاركة الحقيقية، وكل ما تبقى لا يعدو كونه توزيعا للمكاسب».

واذ اتّهم المعارضة بانها تسعى لتيئيس اللبنانيين «حتى يتعبوا وينهاروا، فترموا بهم في فم الأسد من جديد»، قال: «أنجزنا الكثير، وما زال أمامنا الكثير أيضا. سيحاولون بطرقهم المجرمة تعطيل قيام المحكمة في مراحلها الأخيرة».



الحشد المليوني في ساحة الشهداء أمس                         (رويترز)



لبنانية شاركت أمس في إحياء ذكرى الحريري                         (رويترز)