منى فهد الوهيب / رأي قلمي / هذِّب خواطرك كي لا تفضي إلى التعدي!

1 يناير 1970 08:16 م
نحن لسنا بصدد تقييم وتحليل الأحداث الأخيرة، ولسنا نحن من يصدر الأحكام على الأشخاص، من هو المخطئ ومن هو المصيب ومن هو الظالم ومن هو المظلوم، هذا كله نتركه لأهل الاختصاص، وله إجراءات وقنوات خاصة يمر بها للوصول إلى الحقيقة.

ما أردنا توضيحه وتسليط الضوء عليه هو الانتقام الناتج عن الشخصانية والغيرة والذي يرمي منه الإنسان تدمير مجموعة من أجل شخص ارتكب خطأ بقصد أو عن غير قصد، ففي شرعنا الانتقام نوعان، منه المحمود ومنه المذموم، والانتقام الممدوح هو العقاب الذي ينزله رب العباد على بعض خلقه جزاء لهم بسبب انتهاكهم حرمات الله، أي من يجور على حرمات الله ولا يبالي في انتهاكها يستحق العقاب على قدر جرمه وتعديه، أما الانتقام المذموم فهو الصادر من الخلق على بعضهم البعض، وهو التشفي وتجاوز حد العدل في التنكيل بالغير، ويجازيه ويعاقبه بقدر حنقه منه وغيظه من فعلته، لا بقدر الخطأ الذي ارتكبه الظالم في حقه، بل يكون مبالغا فيه إلى حد الإسراف في العقاب، والانتقام بحد ذاته سلوك مذموم قد يصدر من بعض الأشخاص الذين لا يستطيعون التحكم بانفعالاتهم وتصرفاتهم، دائما وأبدا الانتقام المذموم ينتج عن الغضب الهائج من أجل ذات الشخص الذي يريد الانتقام وهيجان الغضب يوقف العقل عن التفكير السليم، فيطيش المنتقم ظنا منه أن هذه قوة وشجاعة، وهي في الحقيقة ضعف كما جاء في الحديث الشريف عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». وأفضل الناس وأشجعهم عند الله هم من قال الله تعالى فيهم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. إن ما حصل من أحداث في كويتنا الجريح، فهو واضح وشفاف أنه انتقام مذموم وتشفي من أشخاص والمتضرر الرئيسي هو الكويت لا غيرها بتصرفات طائشة من أشخاص يعمدون تنفيذ أجندات غيرهم سواء كانت أجندة داخلية أو خارجية لمصالحهم الشخصية.

إن لذة وحلاوة العفو خير وأعظم من لذة التشفي والانتقام، لأن العفو يأتي بالحمد، والتشفي والانتقام يأتيان بالندم، ولو تركنا كل شخص ينتقم لنفسه لعشنا عيشة السباع والوحوش وفقدنا الأمن والأمان.

إن مشاعر غريزة الغيرة فطرية ومحمودة بشرط ألا تخرج عن حد الاعتدال كي لا تكون عدوانا على حقوق الآخرين وتترجم إلى سلوك انتقامي. والغيرة هي الحمية والغضب لدوافع وأسباب شخصية، فعلينا تهذيب وتزكية هذه الغيرة بتهذيب أنفسنا وترويضها بمشاكسة هوى استفحال الغيرة في النفس وأن نتعامل مع بعضنا بالحسنى ونثبت على أخلاقنا.

والسؤال هنا: لماذا نغار من بعضنا الغيرة المذمومة التي تؤدي إلى الانتقام المذموم وأول شخص يلحقه الأذى هو ذات الشخص نفسه الذي يغار إلى درجة انفلات مشاعره وينتج عنها انفلات سلوكه، ويصدر عنه ما لا تحمد عليه من عاقبة الأمور وإطلاق عليه لقب المنتقم، ونحن مأمورون بالغيرة على ديننا ومحارمنا لماذا لا تكون غيرتنا بهذا الإطار المشروع لنا؟

وحتى لا تتكرر الأحداث الموجعة المفجعة التي لم نعتد عليها منذ نعومة أظافرنا على هذه الأرض، وتصبح له نسخ مكررة ومنهج يتوارثه الأجيال من بعدنا، في أزمنة وأمكنة مختلفة، يجب علينا نبذ الشخصانية بتهذيب خواطرنا ومنعها من التفكير الإجرامي الذي يوصل إلى إهانة أشخاص ورموز في البلد، وعلينا نبذ الانتقام المذموم، ونشر ثقافة العفو والسلام من أجل كويتنا الجريح.





منى فهد الوهيب

كاتبة كويتية

[email protected]